لماذا عادت الحرب التجارية بين أميركا والصين؟

19/05/2024 1
محمد العنقري

أصدرت حكومة الرئيس الأمريكي بايدن حزمة قرارات تتعلق بفرض ورفع رسوم على واردات صينية بقيمة 18 مليار دولار ومن أهم ما شملته السيارات الكهربائية بواقع رفع الرسوم للضعف بالإضافة إلى أشباه المُوصّلات ومنتجات طبية وغير ذلك وبالمقابل وعدت الصين بردِّ فعل سريع و مماثل للإجراء الأمريكي, وما جرى يعيد للأذهان فترة حكم الرئيس ترمب التي أشعل فيها الحرب التجارية مع الصين وبدأ بفرض رسوم على واردات بعشرات المليارات وكان يطمح إلى عقد اتفاقية تجارية جديدة مع بكين تكون أفضل من حيث المزايا والحماية للصناعة الأمريكية وصادراتها للسوق الصيني أحد أكبر أسواق العالم إضافة إلى التشجيع على زيادة الإنتاج محلياً بأميركا عندما تذوب الفروقات مع المنتج الصيني الرخيص.

لكن في المرحلة الحالية والتي يمر بها العالم بعدم يقين في اتجاهات الاقتصاد الدولي تبدو الخطوة معاكسة للتوجهات الرامية لمنع الحمائية وأيضاً إبطال فتيل أي حرب تجارية لأن ضررها سيكون كبيراً خصوصاً أن الدولتين هما أكبر اقتصادات العالم وتمثلان ما يفوق الـ40 بالمائة منه بقليل كما أن العام الحالي تستعد فيه أميركا لإجراء انتخابات رئاسية عاد فيها التنافس بين الغريمين على المستوى الشخصي وليس الحزبي فقط, فبايدن الرئيس الحالي وترمب الذي لم يتقبل الهزيمة بالانتخابات الماضية بعد أن كان يعتقد بأنه سيفوز بها بولاية ثانية نظير ما يعتقد أنه قد حققه من إنجازات اقتصادية لكن كان لفايروس كورونا رأي آخر بإيقاع الهزيمة به نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية مع الإقفال الكبير والاتهامات بأن ترمب تأخر في مواجهة الفايروس وأخطأ في تقدير مخاطره، لكن ماهي مبررات إدارة الرئيس بايدن لفرض هذه الرسوم وماهي الأهداف المنطقية التي ستحققها ولماذا بهذا التوقيت؟ فكل هذه التساؤلات تصبح ضرورية بعد أن كانت جل الإشارات في آخر عامين تتجه لمزيد من التعاون بين الدولتين خصوصاً بعد سلسلة زيارات بينهما توجت بزيارة الرئيس الصيني لأميركا بل إن أوروبا حليف أميركا والتي كانت دائماً تطالبها واشنطن بالتصدي للتمدد التجاري والاقتصادي الصيني شعرت بمرحلة ما أنها أخذت موقفاً من الصين لا يناسب مصالحها عندما رأت بوادر التعاون الأمريكي والصيني يزداد وحينها توجه عدة قادة أوروبيين للصين ومن أهمهم رئيس فرنسا الذي طالب الأوروبيين بالنظر في علاقتهم مع الصين بعين المصلحة الأوروبية وليس أخذ مواقف عدائية خدمة للغير.

والواقع إن هناك بحراً من الإجابات على تلك التساؤلات لكن من الواضح أن وزيرة الخزانة الأمريكية عندما اتهمت الصين بإغراق العالم بسلع رخيصة وإنتاج وفير جداً قبل عدة أشهر كانت تمهد لخطوات تلي هذا التجييش الإعلامي إلا أن الهدف لتطبيق رسوم مرتفعة حالياً وقبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية إنما يقطع أي مجال للمزايدة من قبل حملة ترمب الانتخابية على الرئيس بايدن, فالصين أصبحت ورقة مهمة جداً في انتخابات رؤساء أميركا والرئيس ترمب هو أول من بدأ فرض الرسوم, فالصين المنافس المتوقع أن يهدد مكانة أميركا بقيادة الاقتصاد العالمي وأهمية بقاء الدولار عملة التجارة والإقراض والاحتياط الأولى بالعالم والهدف الآخر الذي تريد أميركا تحقيقه هو إضعاف قوة الطلب على الصناعة الصينية في مجالات عدة بالسوق الأمريكي برفع تكلفتها كما أن فرض هذه الرسوم يعني تقليل واردات الصين لأميركا وهو ما سيؤثر على نموها الاقتصادي فلا أحد يمكن أن يعوض الطلب الأمريكي على المنتج الصيني بسهولة نظراً لضخامته وهو ما يعني مخزوناً ضخماً وتحوّل المصانع الصينية للخسائر أو الحد من أرباحها وبالتالي يمكن أن تستغني عن عمالتها وما لذلك من أثر سلبي على خطط الصين بتقليل البطالة ورفع دور المستهلك الصيني بالنمو الاقتصادي فما فرض حالياً ليس إلا مقدمة لما يليه من منتجات بالمستقبل, فالهدف من عدة إجراءات تتخذ بالسياسة النقدية الأمريكية إضافة لهذه الرسوم وغيرها هو رفع تكلفة المنتج الصيني وهو ما سيؤثر عليها اقتصادياً على المدى المتوسط وبذلك تتقلص فرصها للهيمنة على قيادة اقتصاد العالم كما أن فرض الرسوم في وقت تستمر فيه الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي تنظر فيها واشنطن أن بكين تدعم موسكو ماهي إلا إشارة بأن ذلك كأنه رسالة لعقوبات غير مباشرة على موقفها من الحرب أي أنه بالمستقبل قد تتخذ نفس الإحراءات لدعمها موسكو من خلال شراء النفط والغاز الروسي وبالعملات المحلية أيضاً قد تشكل الرسوم ورقة ضغط بهدف تحقيق مكاسب سياسية بملف تايوان والذي حاولت أميركا كثيراً استفزاز الصين فيه.

حتى وإن كان ظاهراً فرض الرسوم تجارياً ومن مبدأ الحمائية للمنتج الأمريكي بالإضافة لما قد يراه البعض مبلغاً بسيطاً قياساً بحجم صادرات الصين لأميركا التي وصلت إلى 500 مليار دولار العام الماضي وشهدت تراجع 13 بالمائة عن عام 2022 إلا أن مافرض عليه رسوم يمثل 3،6 بالمائة من حجم صادرات الصين لكنه ليس إلا إكمالاً لما أقر سابقاً وسيتوسع لاحقاً فأميركا اليوم بدأت تستخدم كل الطرق والسبل للحد من نمو الصين وإضعاف فرص امتلاكها لمفاتيح القوة الاقتصادية المتمثلة بالذكاء الاصطناعي وتطوير الصناعات التكنولوجية وأشباه الموصلات والهيمنة على سوق السيارات الكهربائية الذي سيشهد تنافساً عالمياً ضخماً في السنوات القادمة.

 

 

 

 

 

نقلا عن الجزيرة