باتت المملكة العربية السعودية تشهد تحوّلاً ملحوظاً يبعث على الإلهام، لتستقطب انتباه العالم بأسره بما حقّقته من إنجازات تنموية باهرة. وتواصل البلاد مسيرتها الطموحة نحو مستقبلٍ عنوانه التنوّع الاقتصادي والاستدامة، ليعكس رؤية 2030، الخطة الاستراتيجية الشاملة التي أمست معروفةً بالنسبة لنا جميعاً في الوقت الراهن، وتحظى المملكة بمكانة فريدة تؤهلها تحمّل مسؤولية قيادة وتوجيه السرد القصصي العالمي؛ فحتى ما بعد رؤية 2030، فإن منطقتنا ستظلّ محطّ اهتمام العالم، كما تجلّى من خلال استضافتها لفعاليات بارزة في الآونة الأخيرة مثل كأس العالم FIFA قطر ومعرض إكسبو دبي 2020، ومعرض إكسبو 2030 المرتقب في المملكة. وعلاوةً على ذلك، أصبحت المنطقة وجهةً هامةً لاستضافة مؤتمرات الأمم المتحدة الإطارية لتغيّر المناخ، وتحديداً مؤتمري الأطراف COP27 بمصر وCOP28 بدولة الإمارات، واللذين أثارا مناقشات مكثّفة حول التغيّر المناخي وغيره من المواضيع ذات الصلة. وانطلاقاً من مكانة المملكة كأكبر اقتصاد في المنطقة، فمن المنتظر لها أن تتولّى دوراً جوهرياً في هذه الحوارات العالمية الجوهرية، وأن يكون لها تأثير واضح على النتائج المنشودة، وأن تساهم في رسم معالم مستقبل الاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية.
وإلى جانب الممارسات المستدامة للحكومات والشركات الضخمة، تلعب المنازل دوراً هاماً أيضاً في خطط تحقيق الاستدامة؛ ففي ظل الحقبة التحوّلية التي تعيشها البلاد، أصبحت الممارسات اليومية للمنازل السعودية تعكس بشكل متزايد الخطط الطموحة للمملكة في إبراز الانتقال نحو الاستدامة، وهو ما يعكس قصة الغد المشرق للمملكة العربية السعودية.
الاقتصاد التحوّلي للمملكة من منظور رؤية 2030
لا شك أن الإصلاحات الاقتصادية التي طبّقتها المملكة ساهمت في إنعاش القطاع الخاص وتنشيطه، ما ساعد في إرساء اقتصاد وطني راسخ ومتعدّد المصادر، وعزّز من نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من خلال تشجيع ودعم قطاعات متنوّعة مثل السياحة والترفيه والطاقة المتجدّدة. وكان لهذه القطاعات الحيوية مساهماتٌ ملحوظةٌ في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، والذي تتجاوز قيمته 1 تريليون دولار أمريكي اعتباراً من سبتمبر 2023 1، مدعوماً بزيادة في الأنشطة غير النفطية التي ساهمت بما تُقارب نسبته من 6% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة خلال عام 2023، برغم تخفيضات إنتاج النفط على الصعيد العالمي 2.
وتماشياً مع التوجّه العالمي المنصب على موضوع الاستدامة، فقد حرصت المملكة على شقّ طريقها نحو مستقبل يضمن الحياد الصفري للكربون بحلول عام 2060. وتتجسّد هذه الرؤية عبر عدّة مبادرات رئيسية مدروسة منها برنامج الاقتصاد الدائري للكربون، ومبادرة السعودية الخضراء، وهي مشروع طموح يهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة خلال العقود المقبلة، سعياً لتقليل الانبعاثات الكربونية من جهة وإرساء تحوّل ملموس في المنظومة البيئية على صعيد المملكة من جهة أخرى 3. وفضلاً عمّا سبق، تستهدف المملكة إحداث نقلة نوعية في مزيج الطاقة لديها، إذ تسعى إلى توليد 50% من مصادر الطاقة لديها من مصادر متجدّدة بحلول عام 2030 4.
وتحت القيادة الرشيدة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد، أصبحت تلك المبادرات والالتزامات البيئية جزءاً لا يتجزّأ من التوجّه الاقتصادي الاستراتيجي للمملكة، نظراً لأنها تمثّل عوامل محفّزة تعزّز من الابتكار وتدعم سوق الوظائف. ويتواءم هذا التوجّه الاستراتيجي مع طموحات وتطلّعات الشعب السعودي، ومع الدعوات العالمية لإنشاء مستقبل يكون أكثر نظافة واستدامة وصداقة للبيئة.
كفاءة المنازل السعودية في استهلاك الطاقة
يشهد تعداد السكان في المملكة العربية السعودية ارتفاعاً ملحوظاً، إذ وصل إلى 37 مليون نسمة 5، ما يمثّل زيادةً كبيرة بنسبة 60% على مدار آخر عقدين 6. وفضلاً عن ذلك، من المتوقّع لتعداد السكان أن يزداد ليبلغ 38 مليون نسمة بحلول عام 2025، بمعدل نمو سنوي يبلغ 3%، وهو أعلى بكثير من معدل النمو السنوي في البلدان الأخرى ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي يبلغ 0,9% 7. ومع زيادة التوسّع السكاني، فإن ارتفاع تعداد السكان يعني زيادة طلب المنازل على حلول التدفئة والتبريد، ما يعني زيادة الحاجة لتزويد الأجهزة المنزلية بمصادر الطاقة، وبالتالي استهلاك الأنشطة اليومية لمزيدٍ من الطاقة. وفي نهاية المطاف، ستؤدي هذه الزيادة في معدلات استهلاك الطاقة إلى تكاليف أعلى وستخلق تحديات إضافية للأشخاص وعائلاتهم. وبالنسبة للأسر المتوسطة، فإن الحل لهذه التحديات يكمن في اعتماد أجهزة تضمن الكفاءة في استهلاك الطاقة وفي تبنّي الممارسات المستدامة، وهذا من شأنه تقليل استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ وتخفيض تكاليف الخدمات والمرافق العامة. إن السرد القصصي لهذه الحالة واضح وجليّ: فيما يشهد التعداد السكاني للمملكة زيادة واضحة، فإن هذا يزيد من مسؤوليتنا تجاه الاستهلاك المدروس والمستدام لمصادر الطاقة. ولهذا، فإن التحوّل نحو استخدام أجهزة أحدث توفّر الكفاءة في استهلاك الطاقة واعتماد أسلوب معيشة صديق للبيئة هما من بين الخطوات بالغة الأهمية في إرساء مستقبل صالح للعيش للتعداد السكاني المتنامي.
إن المملكة مُقبلةٌ على تحوّل سكّاني هام 8، على اعتبار أن أكثر من 60% من سكانها دون سن الـ 30 عاماً؛ إذ تشير دراسةٌ أجرتها شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" حول الاستدامة إلى أن جيل الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبح أكثر وعياً من الناحية البيئية، لا سيما في المجالات المتعلّقة بالحفاظ على مصادر الماء وتوفير الطاقة وإعادة التدوير 9. وسيساهم هذا التغيّر السكاني في نهاية المطاف إلى إحداث نقلةٍ نوعيةٍ في السلوكيات الثقافية وتفضيلات المستهلكين، وسيكون له تأثيرٌ واضحٌ على المشهد الاجتماعي الاقتصادي للبلاد، في خلق توجّهات وأولويات جديدة في المستقبل.
لقد بدأنا بالفعل نشهد ظهور تحوّل ملحوظ في سلوكيات المستهلكين السعوديين، مع تزايد الطلب على الأجهزة عالية الجودة ومتعدّدة الاستخدامات والتي تضمن في الوقت ذاته الكفاءة في استهلاك الطاقة. وقد برز هذا التوجّه نتيجةً لعدّة عوامل أهمّها ارتفاع عدد المستهلكين من جيل الشباب وزيادة الدخل المُتاح وزيادة الوعي تجاه الاستدامة والأثر البيئي. ولا ينبع هذا التوجّه الجديد من المستهلكين فحسب، بل يحظى أيضاً بالدعم والتشجيع في إطار مستهدفات رؤية المملكة. وإثر ذلك، فإنّ الشركات التي تتكيّف وتتواءم مع احتياجات قاعدة المستهلكين اليوم، والذين هم أكثر درايةً بالجوانب البيئية وأكثر إلماماً بالجوانب التقنية، تشق طريقها بخطوات راسخة نحو التقدّم والنجاح.