مع تقدم الأسواق المالية وتطورها في الداخل والخارج، ومع تزايد تقلبات الأسعار والتكاليف على المنشآت التجارية، بات من الضروري على رجال وسيدات الأعمال الاستفادة من الأدوات المالية المتاحة من خلال هذه الأسواق للتحوط، أي اتخاذ إجراءات معينة للحماية من ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، حسب الحالة. هذه الوسائل، متاحة للجميع وليست موجهة فقط لأصحاب الشركات الكبيرة والمشاريع العملاقة، بل بإمكان من يملك محال قهوة أو مصنع مفروشات خشبية أو حديدية، أو مطعم "بروست" دجاج أو "هامبرجر"، أو من يملك شركة لديها احتياجات عالية من الطاقة أو الديزل أو البنزين، أو من يتعامل بالاقتراض المستمر في أعماله، هؤلاء جميعا يستطيعون الاستفادة من أدوات مالية متنوعة، تشمل عقودا آجلة ومستقبلية وصناديق متداولة وحتى أسهما فردية، وذلك من أجل حماية أعمالهم من مخاطر تقلب الأسعار. صاحب العمل الذي لا يمارس أي نوع من التحوط في أعماله، حتى إن كان حجم العمل لديه صغيرا إلى حد ما، هو في الواقع يعرض نفسه لمخاطر إضافية هو في غنى عنها، فهو يكفيه التعامل مع تقلبات النشاط التجاري واستقطاب العملاء والأعمال التشغيلية، وعليه تحييد المخاطر المالية عن أعماله قدر الإمكان.
من المغالطات التي أسمعها من بعض أصحاب الأعمال أنه يعتقد أن التعامل بأدوات التحوط يتطلب تغيير نموذج العمل أو بعض الجوانب التشغيلية، فمثلا يعتقد البعض أن شراء عقود مستقبلية للحديد أو النفط أو القهوة أو الخشب أو معدلات الفائدة يعني أن عليه شراء هذه المنتجات عن طريق تلك العقود، فلو أنه اشترى عقودا مستقبلية للقهوة فعليه تأمين احتياجات محاله عن طريق هذه العقود، في حين إنه يعلم أن نوع القهوة التي يحتاج إليها تختلف تماما عن تلك المتداولة في العقود المستقبلية.
لذا من المهم أولا تصحيح هذا المفهوم بالقول إن إدارة المخاطر المالية وتقلب الأسعار تكون عملية منفصلة بشكل كامل عن صلب العمل التجاري، بحيث يستمر التاجر في ممارسة عمله بالطريقة المعتادة، ويستمر في شراء ما يحتاج إليه من مواد من الموزعين الذين يتعامل معهم، ولا يحتاج أي من موظفيه إلى التعامل بتلك الأدوات المالية ولا حتى العلم عن تعامل المنشأة بها. وبإمكان صاحب العمل القادر على ذلك تنفيذ عمليات التحوط بنفسه، من مكتبه الخاص أو حتى من منزله، أو عن طريق وسيط مالي محلي أو خارجي. الهدف النهائي بالنسبة إلى صاحب العمل أن يتم تعويض ارتفاع تكاليف مدخلات العمل، من مواد وقروض مالية وغيرها، من خلال الربح المتحقق من تلك الأدوات المالية، أي إنه في حال ارتفع سعر البن يقوم صاحب المقهى بشراء البن بطريقته المعتادة ويدفع سعره العالي، لكن في الوقت نفسه تكون عقود القهوة التي اشتراها بشكل مستقل في حالة ربح بسبب ارتفاع الأسعار، فتزول عنه أضرار ارتفاع الأسعار، ويستطيع الحفاظ على نسبة الربحية لديه، وعدم الاضطرار إلى رفع أسعار منتجاته بشكل يؤثر في رضا عملائه وحصته السوقية.
تتميز تلك الأدوات المالية بأنها تتطلب مقدارا قليلا من المال، ما يعرف بالرافعة المالية، بحيث لا يجب على التاجر صرف مبالغ كبيرة للحصول على التحوط المنشود، فالمبالغ المطلوبة تراوح بين 3 و12 في المائة من حجم العملية في معظم العقود المستقبلية، ويمكن القيام بذلك للتحوط ضد ارتفاع معدل الفائدة للعاملين في مجال التطوير العقاري، أو التحوط ضد ارتفاع أسعار الديزل لشركات النقليات، أو التحوط ضد ارتفاع أسعار اللحوم لسلسلة مطاعم "هامبرجر" وهكذا، كما أنه ليس من الضروري الحصول على أدوات مالية مطابقة في حركاتها السعرية لحركة السلعة المراد التحوط ضدها، ولا حتى مطابقة لها في النوع والجودة، بل المطلوب فقط أن تكون تحركات أسعارها متشابهة، وهذا كفيل بتحقيق تحوط كاف ضد تقلب الأسعار.
نقلا عن الاقتصادية
أطلعنا على ذلك ونعرف أنها كذلك محرمة شرعاً، والله يغنينا بحلاله عن حرامه
معلومات مفيدة وفقكم الله دكتورنا الفاضل