رؤية المملكة 2030 والتنمية المستدامة

30/01/2024 0
د. أحمد بن محمد السالم

في شهر سبتمبر من عام 2015م، اعتمدت الدول الاعضاء في الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الـ(17)، والبالغ عددها (193) دولة، خطة التنمية المستدامة، والمتضنة (17) هدفاً للتنمية المستدامة، تقوم الدول بتنفيذها على مدار (15) عاماً، اعتباراً من 1/1/2016م ولغاية عام 2030م، في حين اقر مجلس الوزراء في شهر ابريل لعام 2016م، رؤية المملكة 2030، هي الاخرى مدتها (15) عاماً، وبدأ تنفيذها على الفور، والرؤية لم تأتي من فراغ بل استندت الى تجارب الدول الناجحة في هذا المضمار كالنمور الاربعة والنظريات التنموية المطبقة على ارض الواقع وكذلك دراسات وتقارير وقرارات المنظمات الاقليمية والدولية ذات الصلة. اذاً لا غرابة ان تكون اهداف التنمية المستدامة ماثلة وحاضرة لدى صانعي القرار عند اعداد الرؤية، وان تأتي في اهدافها ومضامينها منسجمة مع اهداف التنمية المستدامة التي سبق للمملكة الموافقة عليها، والشروع في العمل بها. والمعروف عن المملكة جديتها في العمل والتعامل مع ما يصدر عن المنظمات الاقليمية والدولية من قرارات وتوصيات، تخدم الانسانية والبشرية جمعاء، ونتيجة للسياسات الحصيفة والتخطيط المتقن، جاءت الرؤية في اهدافها وبرامجها ومبادراتها محققة لاهداف التنمية المستدامة الى حد كبير، فالقارئ يجد مدى التوافق مابين اهداف الرؤية الـ(96) هدفاً وبين اهداف التنمية المستدامة الـ(17). وتشتمل اهداف الرؤية والتنمية المستدامة على الابعاد الثلاثة (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية). ففي المجال الاقتصادي، نص الهدف الثامن من اهداف التنمية المستدامة على"تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل والمستدام للجميع، والتوظيف الكامل للعمالة المنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع" ويقابله في اهداف الرؤية (تنمية وتنويع الاقتصاد وزيادة معدلات التوظيف واتاحة فرصة العمل للجميع).

وفي الجانب الاجتماعي، تضمنت اهداف التنمية المستدامة "ضمان تمتع الجميع بانماط عيش صحية والرفاهية وضمان ان تتاح للجميع فرص متكافئة للحصول على التعليم الجيد وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع" في حين استحوذ قطاعي التعليم والصحة على نصيب الاسد من اهداف الرؤية ومنها الارتقاء بالخدمات الصحية وتحسين مخرجات التعليم الاساسية وتحسين تكافئ فرص الحصول على التعليم، وفي البعد البيئي، نصت اهداف التنمية المستدامة على اتخاذ اجراءات عاجلة للتصدي لتغيير المناخ وآثاره وحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية وضمان الاستعمال المستدام لها وحماية النظم الايكلوجية البرية ويقابلها في الرؤية هدف استراتيجي "ضمان الاستدامة البيئية" تفرع عنه اهداف فرعية كالحد من التلوث وحماية البيئة من الاخطار الطبيعية وحماية وتهيئة المناطق الطبيعية.

ويتضح مما ذكر، العلاقة الوثيقة والمتينة ما بين المطلب الدولي في ايجاد تنمية مستدامة في البلاد وبين اهداف الرؤية في خلق اقتصاد وطني مستدام وتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة، يعم نفعها ابنا الوطن اياً كانوا واينما كانوا. وتتقاطع الرؤية مع اهداف التنمية المستدامة في العمل على تحسين جودة الحياة والمستوى المعيشي لكافة افراد المجتمع. ولن تترك الرؤية كما هو الحال مع اهداف التنمية المستدامة اياً من المواطنين مهمشاً وفي المقعد الخلفي، وأكبر دليل على ذلك تأسيس حساب المواطن في عام 2017م لتخفيف الاعباء عن المواطن السعودي وتقديم الدعم المادي للاسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط وحماية الاسر السعودية من الاثر المباشر وغير المباشر المتوقع من الاصلاحات الاقتصادية المختلفة وغلاء المعيشه. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد المستفدين خلال شهر أكتوبر لعام 2023م أكثر من 50% من عدد السكان السعوديين (10.7 مليون مستفيد وتابع)، حصلوا على (3.4) مليار ريال. كذلك شهدت معدلات البطاله انخفاضاً ملموساً، حيث بلغت 8% في الربع الرابع من عام 2022م بدلاً من 11.6% قبل الرؤية. وبفضل رؤية المملكة 2030م وبرامجها، تضاعفت مشاركة المرأة في سوق العمل لتصل 37%، مما يساعد على تعزيز هدف المساواة بين الجنسين.

والجدير بالذكر بانه يصدر عن جهات الاختصاص تقارير ربع سنوية عن ما يتم انجازه من اهداف ومستهدفات الرؤية وكذلك تقارير سنوية عن التقدم المحرز لأهداف التنمية المستدامة. وغني عن القول ان التحديات جسيمة والاعباء كبيرة لتحقيق كامل اهداف الرؤية واهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030م، وبتحقيقها تكون المملكة انتقلت بإذن الله الى دائرة الدول المتقدمة، وكلنا تفاؤل بتجاوزنا لهذه التحديات، فمهندس الرؤية سمو سيدي ولي العهد حيث انجزت المملكة في غضون سبع سنوات ونصف ما يحتاج إنجازه عقود من الزمن وتحولت الكثير من الاحلام الى واقع، كيف لا وقد تخرج من مدرسة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، صاحب الخبرة في التعامل مع مجمل القضايا والاحداث بحكمة وحنكة ونفاذ بصيرة، واكتسب الكثير من التجارب والمعارف التي ساهمت اليوم في وضع بلادنا على دروب التقدم والتطور والرقي.

 

 

المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد ديسمبر 2023م

 

 

 

 

خاص_الفابيتا