تباطأ معدل التضخم محليا إلى أدنى مستوى له خلال 23 شهرا مضت، واستقر مع نهاية ديسمبر الماضي عند أدنى من 1.5 في المائة، بينما سجل التضخم السنوي عن العام الماضي كاملا تراجعه للعام الثالث على التوالي، واستقر بدوره عند معدل 2.3 في المائة، ويعد من أدنى معدلات التضخم عالميا خلال العام الماضي، محتلا المرتبة الـ17 في سلم ترتيب 191 دولة حسب أدنى معدلات التضخم، وفقا لصندوق النقد الدولي خلال 2023. بالنظر في أهم عوامل تباطؤ معدل التضخم السنوي إلى 2.3 في المائة، فقد تأثر بتراجع بنود "الملابس والأحذية، تأثيث وتجهيزات المنزل، الاتصالات، السلع والخدمات المتنوعة"، التي تراجع متوسط أرقامها القياسية سنويا بنحو 1.4 في المائة، وشكلت في مجموعها أكثر من 29 في المائة كوزن نسبي في معادلة احتساب معدل التضخم العام، إضافة إلى تباطؤ نمو أسعار بند الأغذية والمشروبات إلى 1.4 في المائة، وتباطؤ نمو أسعار بند النقل إلى 1.0 في المائة "يشكلان 31.9 في المائة كوزن نسبي في التضخم"، ما يعني في مجمله أن 61 في المائة من مكونات التضخم محليا، إما سجلت انكماشا وإما تباطؤا، ما أسهم في تباطؤ التضخم.
في المقابل، انفرد إيجار السكن الفعلي بارتفاعه السنوي القياسي بـ 9.5 في المائة، ولأن وزنه النسبي في التضخم يبلغ 21 في المائة، فإنه يعزى إليه السبب الأكبر لاستقرار التضخم عند 2.3 في المائة خلال 2023، كما سجل ارتفاعات أكبر في المدن الرئيسة، وصل في جدة إلى 21.9 في المائة، وفي الرياض 14 في المائة، وشهد ارتفاعا متسارعا خلال الأشهر الأخيرة من 2023 في كل من بريدة وأبها، وصل بنهاية ديسمبر في بريدة إلى 32.5 في المائة، وفي أبها 12.5 في المائة، ما يؤكد أهمية دراسة وبحث أسبابها، وإيجاد الحلول المناسبة لها، وهو ما سبق الحديث مطولا عنه طوال عامين ماضيين، بأهمية تنظيم سوق الإيجارات محليا، ووضع الضوابط اللازمة له بما يحافظ على الاستقرار الاقتصادي، واستقرار السوق والمستوى المعيشي للمواطنين والمقيمين، تكتسب المتابعة اللصيقة لأي تغيرات على المستوى المعيشي قدرا عاليا من الأهمية، كونها تقدم للمخطط الاقتصادي ومتخذ القرار التنفيذي رؤية حية لمجمل التغيرات على أرض الواقع، ومن ثم اتخاذ ما يلزم من حلول للسيطرة والحد من أي تداعيات عكسية على الاستقرار الاقتصادي، وتوفير الحماية اللازمة للاستقرار المعيشي للأسر والأفراد، في هذا الشأن تحديدا، عادة ما يواجه المستهلك معدلات ارتفاع في تكاليف معيشته، قد تتجاوز المعدل العام للتضخم، وخير مثال على ذلك ما أظهرته بيانات التضخم خلال ديسمبر 2023.
تزداد أهمية ما سبق ذكره خلال الفترة المقبلة، بحال استمر الارتفاع المتسارع للإيجارات، مضافا إليه الارتفاع المتوقع للتضخم في ظل استمرار إصلاحات ورفع كفاءة استهلاك مصادر الطاقة محليا، المتوقع انتقال آثارها إلى أسعار المستهلكين، وهي الجوانب التي تكفل عديد من البرامج والمبادرات الحكومية بتغطية آثارها، بحمد الله، إلا أن التذكير هنا يتكرر فيما يتعلق بمتابعة المتغيرات القياسية الطارئة على إيجارات السكن، المتوقع استمرار ارتفاعها، ولا توجد ضوابط حتى تاريخه للسيطرة عليها، ما يقتضي بدوره المبادرة وسرعة تنظيم سوق الإيجارات محليا، والعمل على ألا يذهب أبعد مما وصل إليه، للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي، وحماية المجتمع الاستهلاكي، وضمان استقرار القطاع الخاص، والمحافظة من كل ذلك أيضا على جاذبية البيئة الاستثمارية محليا.
نقلا عن الاقتصادية