طوال 2023، خضعت أسواق النفط لعملية تنقيحات كبيرة بسبب عدم اليقين بخصوص نمو الطلب والتوترات الجيوسياسية، ولا سيما الأزمة الأوكرانية وأخيرا الصراع في الشرق الأوسط. وأدت هذه الأحداث إلى إعادة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الأزمة وإعادة تشكيل تدفقات التجارة العالمية. في 2024، من المتوقع أن تواجه أسواق النفط عديدا من الأخطار الاقتصادية والجيوسياسية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير في تقلبات السوق. وفيما يلي أهم هذه العوامل:
- التوترات الجيوسياسية: تشكل الصراعات المستمرة في المناطق المنتجة للنفط، خاصة في الشرق الأوسط، أخطارا على سلاسل التوريد العالمية. يسلط الوضع في البحر الأحمر، بما في ذلك الهجمات على سفن الشحن، الضوء على مدى تأثر أسواق النفط بالأحداث الجيوسياسية. وعدم الاستقرار في مناطق، مثل: فنزويلا وإيران يزيد من أخطار العرض.
- عدم اليقين الاقتصادي: قد تؤدي التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، مثل احتمال الركود في الاقتصادات الرئيسة، تقلب العملات، والسياسات المالية المتنوعة، إلى عدم القدرة على التنبؤ بالطلب على النفط والتأثير في الأسعار.
- المضاربة في السوق: يمكن أن يتسبب متداولو السوق في تقلبات الأسعار على المدى القصير، متأثرين بتوقعات السوق وردود الفعل على نشرات الأخبار والبيانات.
- اختلال التوازن بين العرض والطلب: يمكن أن تؤثر الاضطرابات في البلدان الرئيسة المنتجة للنفط أو التحولات الكبيرة في أنماط الاستهلاك بشكل مفاجئ في أسعار النفط، نظرا للتوازن الدقيق الحالي بين العرض والطلب.
مع ذلك، تحتفظ "أوبك" بنظرة متفائلة لمستقبل سوق النفط في 2024، وتتوقع أن يتجاوز الطلب على النفط زيادة العرض من خارج المنظمة. استنادا إلى تقريرها الشهري الأخير، من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط عام 2024 بنحو 2.2 مليون برميل يوميا، في حين ينمو المعروض من خارج المنظمة بنحو 1.4 مليون برميل يوميا. وتعزو المنظمة الانخفاض الأخير في أسعار النفط إلى تدخلات المتداولين والمخاوف المبالغ فيها. ولإدارة مخاوف السوق، تخطط "أوبك" وحلفاؤها لخفض إضافي في الربع الأول قدره 0.9 مليون برميل يوميا لدعم استقرار السوق، بالنسبة لأسعار النفط، تتوقع البنوك الأمريكية الخمسة الكبرى أن يكون هناك مجال لتعافي الأسعار في 2024، رغم أنها قد لا تشهد ارتفاعا كبيرا، وبلغ متوسط توقعاتها لخام برنت نحو 85 دولارا للبرميل، وفي أسواق الغاز، شهد العامان الماضيان سباقا لتأمين أكبر قدر ممكن من إمدادات الغاز المسال في أسرع وقت ممكن. سيكون من الطبيعي بعد ذلك حدوث تباطؤ في الطلب، وفقا لوود ماكنزي. في حين، يرى آخرون أن الطلب على الغاز مستمر في النمو. حيث إن الغاز هو البديل الواضح للفحم، وسيستمر هذا التحول من الفحم إلى الغاز في 2024، رغم أن التحديات ستظل قائمة. وستكون هذه في شكل لوائح أكثر صرامة بشأن الانبعاثات وبنية تحتية غير كافية للنقل، ولا سيما في الولايات المتحدة.
بالنسبة لأسعار الغاز هناك روايتان. في النصف الأول من العام، من المفترض أن تظل الأسعار ضعيفة، مع وصول كمية كبيرة من العرض. ولكن بدءا من الربع الثالث أو الرابع من 2024، ستزداد سعة الغاز المسال بالكامل وسيبدأ الطلب على الغاز بالارتفاع بشكل كبير، ما يعزز الأسعار. من جهة أخرى، تشهد الطاقة النووية في أغلب الأحيان ممانعة من قبل المدافعين عن تحول الطاقة. حيث يجادلون بأن الطاقة النووية غير متجددة وخطيرة. وقد رد خبراء الطاقة النووية على هذه الحجج بحقيقة أن الطاقة النووية خالية من الانبعاثات وأن الصناعة لديها بالفعل سجل حافل للغاية عندما يتعلق الأمر بالحوادث والتعامل مع النفايات، في هذا الجانب، أشار مؤتمر الأطراف الـ28 (COP 28) إلى أن الاهتمام يتحول نحو الطاقة النووية، حيث اعترف الحاضرون بأن تحول الطاقة سيكون أصعب بكثير – إن أمكن على الإطلاق – دون إمدادات الكهرباء الأساسية التي يمكن أن توفرها الطاقة النووية فقط بتكلفة معقولة بين مصادر التوليد الخالية من الانبعاثات. فلكي تتمكن طاقة الرياح والطاقة الشمسية من توفير الإمدادات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ستكون هناك حاجة إلى بطاريات ضخمة وتكاليف البطارية ليست في متناول الجميع حتى الآن.
من ناحية الطاقة المتجددة، بدأ تباطؤ نمو الطاقة الشمسية في 2023 في أوروبا والولايات المتحدة. يبدو أن سبب انخفاض الطلب على المشروعات الجديدة، في أوروبا تحديدا، يتعلق عادة بتشبع السوق. ويمثل ارتفاع تكاليف المواد الخام أيضا مشكلة بالنسبة لهذه الصناعة، التي واجهت صعوبة في زيادة هوامش أرباحها فترة من الوقت، ولم ترق إلى مستوى شعارها الخاص بأن الطاقة الشمسية رخيصة. ربما تكون التكاليف المرتفعة هي المشكلة الأكبر التي تواجه مطوري الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة بسبب التعريفات الجمركية على الواردات الآسيوية التي تستهدف الصين، على الصعيد العالمي، سيكون التباطؤ نتيجة لتطورات الاتجاه الطبيعي للنمو. وفقا لوود ماكنزي، فإن متوسط معدل النمو السنوي للأعوام الأربعة المقبلة في مجال الطاقة الشمسية لن يكون نموا على الإطلاق: صفر. وتوقع أيضا أن يكون هناك بضعة أعوام من الانخفاض في إضافات القدرات.
بخصوص تحول الطاقة، أظهر 2022 خصوصا أهمية أمن الطاقة وحل محل التحول مؤقتا بوصفه الأولوية الأولى، وتحديدا في الاتحاد الأوروبي. في أعقاب هذا التطور، ظهر نوع من النقاش غير الرسمي حول التوازن بين المرحلة الانتقالية وأمن الطاقة، وكيفية تحقيق التوازن بينهما. من المتوقع أن يستمر النقاش أيضا في 2024، رغم أن أمن الطاقة يبدو أنه يتفوق على عملية الانتقال حيثما كان ذلك مهما، وجاء أوضح دليل على ذلك أخيرا، عندما رفضت الصين والهند التوقيع على تعهد كوب 28 بزيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أضعاف بحلول 2030، واختارت بدلا من ذلك أمن الطاقة من الهيدروكربونات. وكانت هناك أيضا ألمانيا، التي اضطرت، بعد إغلاق آخر محطاتها للطاقة النووية، إلى زيادة استهلاكها من الفحم لإنتاج ما يكفي من الكهرباء، إضافة إلى كل هذه الاتجاهات، ستظل الجغرافيا السياسية عاملا قويا في أسواق الطاقة العالمية، ليس فقط النفط والغاز، كما يتضح من اضطرابات النقل الأخيرة في البحر الأحمر التي أثرت في جميع أنواع البضائع التي تنتقل من آسيا إلى أوروبا، بما في ذلك معدات الطاقة الشمسية. وتفقد الجغرافيا السياسية ارتباطها الحصري بالنفط والغاز، وتنتشر أيضا كعامل حاسم لأمن إمدادات تقنيات تحول الطاقة.
نقلا عن الاقتصادية