يواجه الاقتصاد العالمي مع مطلع العام الجديد، تحديات جسيمة لا تقل عن تلك التي واجهها منذ اصطدامه بالجائحة العالمية كوفيد - 19، وما تلاه من تاريخها حتى نهاية 2023، بدءا من ارتفاع إجمالي الديون على الحكومات بمعدل سنوي بلغ 15.1 في المائة إلى أكثر من 84.6 تريليون دولار (99.6 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي)، وانكماش الاقتصادي العالمي بنهاية 2020 بنسبة 2.8 في المائة، سرعان ما تطورت الأحداث فيما بعد إلى تصاعد التضخم العالمي بمعدل وصل إلى 8.7 في المائة خلال 2022، واستمر الضعف في النمو الاقتصادي العالمي وتباطؤ التجارة الدولية، وزادت الضغوط مع احتدام عديد من الاضطرابات الجيوسياسية في أكثر من منطقة من العالم، كان أسخنها الصراع الروسي - الأوكراني، ثم قيام البنوك المركزية حول العالم باتخاذ قرارات متتالية برفع معدل الفائدة إلى مستوياته خلال أكثر من عقدين من الزمن، لتخيم على أغلب الاقتصادات والأسواق ضبابية خلفت وراءها حيرة واسعة لدى كبرى البنوك والمؤسسات الاستثمارية.
يصعب القول في الوقت الراهن، إن الاقتصاد العالمي بكامل هيئاته ومؤسساته الدولية يقف فحسب أمام مجرد مفترق طرق! ذلك أن المؤشرات الأساسية تقف في طرف بعيد على شاشة المشهد الاقتصادي العالمي، تضمنت تباطؤ نمو الاقتصادات -الاقتصاد العالمي 3.0 في المائة، منطقة اليورو 0.7 في المائة، الولايات المتحدة 2.1 في المائة، الصين 5.0 في المائة وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2023-، واستمرار الضعف في التجارة الدولية، وفقدان ملايين الوظائف باستثناء عديد من الاقتصادات الكبرى، وتوقعات الهيئات الدولية بارتفاع البطالة بين القوى العاملة نتيجة احتمالات ركود الاقتصاد العالمي إزاء السياسات المتشددة للبنوك المركزية، إضافة إلى استمرار ارتفاع الديون على الحكومات التي قدر حجمها صندوق النقد الدولي بأكثر من 97.1 تريليون دولار (93.0 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي)، ودون إغفال الديون الكبرى على الشركات والأُسر التي يتجاوز حجمها بعدة أضعاف ما على الحكومات، وتزايد احتمالات تعثرها أمام الجهات الدائنة. أمام كل هذه المؤشرات الهابطة اقتصاديا وماليا، أظهرت أغلب مؤشرات الأسواق موجات صاعدة بمستويات قياسية، سجل من ضمنها داو جونز الأمريكي نموا ناهز 14 في المائة، وتجاوز لناسداك 43 في المائة، وراوحت أسواق منطقة اليورو بمعدلات نموها بين تلك المعدلات من النمو بنهاية 2023.
احتفظت البنوك المركزية ولا تزال وسط هذه التناقضات العالمية بقبضة سياساتها النقدية المتشددة، وحافظت على مستويات معدلات الفائدة القياسية الأعلى في أكثر من عقدين، ذلك أنها ما زالت بعيدة عن هدفها بخفض التضخم إلى 2.0 في المائة فما دون -قدر صندوق النقد الدولي التضخم العالمي لعام 2023 عند 6.9 في المائة، ونحو 5.8 في المائة لعام 2024. القادم المحتمل الذي قد يكون أصعب حالا على تلك البنوك المركزية، أن تضطر إلى خفض معدلات الفائدة لمواجهة موجات قاسية لتصحيح محتمل للأسواق، وتزامنه مع انكماش أو ركود الاقتصادات وارتفاع البطالة، ومضاعفة تلك الضغوط الجسيمة المحتملة بارتفاع معدلات تعثر المدينين أمام الجهات التمويلية، وما سيقتضيه ذلك بالضرورة من تفعيل سياسات التيسير الكمي مجددا، في الوقت ذاته الذي قد تذهب مستويات الديون على الحكومات إلى أعلى من تقديرات صندوق النقد الدولي (102.8 تريليون دولار في 2024، 109.7 تريليون دولار في 2025 وصولا إلى 130.9 تريليون دولار بنهاية 2028)، كل هذه التطورات المحتملة ستدفع بدرجة عالية إلى ارتفاع التضخم مجددا، في وقت تتضاءل خلاله خيارات البنوك المركزية باستخدام أدواتها لكبحه، هل تواجه التضخم مقابل تضاعف بقية التداعيات المؤلمة الأخرى؟ أم تتجاهله وتندفع نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه على مستوى الاقتصاد والوظائف ومواجهة معدلات التعثر المرتفعة للشركات والأسر، ومحاولة إنقاذ القطاع التمويلي أمام تلك انكشافه العالي الأخطار؟
ما تقدم أعلاه من أخطار عالية، قد يذهب إلى أبعاد أكثر وعورة إذا ما تصاعدت الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة في مختلف أنحاء العالم، وما قد يترتب عليها من احتمالات زيادتها واتساع دائرتها في مناطق أخرى من العالم، وأن تتطور إلى مستويات النزاعات المسلحة والحروب، ورغم أنها تظل مجرد احتمالات قد تحدث وقد لا تحدث، إلا أن التجارب العالمية السابقة تؤكد أن تجاهل مثل تلك الاحتمالات في المرحلة من الزمن التي تشير إلى وجود ما يغذي وقوعها، يعني بدرجة كبيرة ارتكاب أخطاء تقديرية بالغة الفداحة، وأن أخذها في الحسبان يعني استعدادا مبكرا لأي احتمالات بالغة الأضرار من هذا النوع، وأنه الخيار الأكثر سلامة وتحوطا في مواجهة مثل تلك الأخطار المحتملة، التي ستضع صاحبها في موقف أقل مخاطرة من آخر لم يلق لها بالا ولم يستعد كما يجب تجاهها.
محليا وخليجيا، تمتلك المملكة والمنطقة موارد كافية وممكنات وخيارات واسعة، ستكون كفيلة بأن تقف اقتصاداتها موقفا متينا في مواجهة تلك الاحتمالات غير المواتية، وهو ما ورد إيضاحه بالتفصيل في بيان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2024 (ص 92-97)، وكيف أن اقتصادنا الوطني بالاعتماد على تبني السياسات الملائمة للتعامل مع مثل تلك المخاطر، والتخفيف من حدّة تأثيرها في المؤشرات المالية والاقتصادية، واستدامة المالية العامة، إضافة إلى إسهامات الإصلاحات الهيكلية التي بدأ العمل بها منذ منتصف 2016 في تعزيز قوة ومتانة الاقتصاد المحلي، التي تقود مجتمعة بدرجة عالية إلى ضمان قدرة ومتانة الاقتصاد المحلي في مواجهة تلك التحديات والأخطار، بل قد تسهم في أجزاء منها إلى تقديمه كفرصة بديلة أمام الاستثمارات الأجنبية الباحثة عن اقتصادات وأسواق تتمتع بالاستقرار والمتانة والفرص الواعدة.
ختاما، يؤمل أن تزول الأسباب التي أوقدت أو أوجدت تلك التحديات والأخطار الراهنة، وأن تثمر سياسات الأجهزة النقدية والاقتصادية حول العالم، إضافة إلى الجهود الدولية الساعية لتوطيد السلام والاستقرار العالميين، كل هذا يؤمل أن يثمر عنه استعادة الاستقرار والسلام، وتهيئة بيئة الاقتصاد العالمي وعموم الأسواق بما يلبي متطلبات النمو والازدهار.
نقلا عن الاقتصادية
ارتفاع أسعار الوقود وسعراللقيم، استاذ عبدالحميد، من اوائل التحديات التي ستواجهها أغلب شركات تاسي في ٢٠٢٤. بدأت اسمنت نجران اليوم بإعلانها قبل افتتاح السوق، وأعلنت شركات كثيرة تأثر تكلفة المدخلات بنسب بين ٢-٤٪ (حتى الآن). هذا التأثير سيتحول الى تأثير بالسالب بين ٥-٣٠٪ من صافي الأرباح (تقريباً) في قوائم تلك الشركات لعام ٢٠٢٤. طبعاً الشركة/الشركات التي تبيع اللقيم والوقود هي الرابحه من هذا التغيير.
يتوقع مجموعة من المحللين من ضمنهم جولدمان ساكس ارتفاع الطلب على مدخلات الانتاج الرئيسية مثل النحاس الذي يتوقع ارتفاعه ٧٥٪ الى ٢٠٢٥ بسبب اضطراب الامدادات وضعف العرض لمواجهة الطلب المتزايد .. في على ذلك بقية السلع التي وصلت الى مستويات دنيا من حيث الاسعار وهو كما تفضل الكاتب في سرده التاريخي نتاج ل V shape recovery بعد الجائحة لبناء المخزونات شبه الفارغة الان عدنا لبناء قاعدة الطلب و العرض المتوازن price equilibrium