أظهرت مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلي مع نهاية العام الجاري في عمومها نتائج إيجابية، عكست متانة الاقتصاد وقوة موارده والفرص الكامنة فيه، وعكست أيضا نتائج الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي تم تنفيذها تحت مظلة رؤية المملكة 2030 منذ منتصف 2016 حتى تاريخه، ما مهد بدوره لنقل الاقتصاد خلال تلك الفترة الوجيزة بعمر التحولات الهيكلية التي تتطلب فترات أطول، من اقتصاد يعتمد بدرجة أساسية على مصدر وحيد للدخل، إلى اقتصاد أكثر تطور يتجه نحو تنويع مصادر دخله وقاعدته الإنتاجية، وتأهله عاما بعد عام للاعتماد على ركائز إنتاجية توفر له مصادر لتحقيق الدخل والنمو المستدام، تتسم بكونها أكثر استدامة ومتانة، وتسهم بدرجة أكبر في توفير مزيد من فرص الاستثمار والعمل، وتدفعه نحو آفاق اقتصادية أوسع لم يكن بالإمكان الوصول إليها في ظل الاعتماد الكبير على مصدر وحيد للدخل، على مستوى النمو الاقتصادي للعام 2023، فقد قدرته وزارة المالية بنحو 0.03 في المائة، علما أنه قد بلغ عن الفترة من مطلع العام حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بـالفترة نفسها من العام الماضي نحو 0.1 في المائة، وبلغ للقطاع غير النفطي الحقيقي نحو 4.0 في المائة للفترة نفسها، وسجل نموا حقيقيا للقطاع الخاص وصل إلى 4.6 في المائة للفترة ذاتها. وتوقعت وزارة المالية أن ينمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بنحو 5.9 في المائة خلال 2023، مدفوعا باستمرار النمو والتوسع الذي شهدته معظم الأنشطة غير النفطية طوال العام الجاري، وأن يستقر معدل التضخم مع نهاية هذا العام عند مستوى 2.6 في المائة، ويعد من أدنى المستويات مقارنة ببقية دول العالم، نتيجة تحسن الظروف الاقتصادية واستمرارها، ونتيجة استمرار التدابير الاستباقية التي تم اتخاذها منذ 2022، بهدف مواجهة موجة الارتفاع العالمي لمعدلات التضخم.
وجاءت نتائج المالية العامة خلال العام الجاري لتعكس متانتها، بتضمنها عجزا عن العام المالي الجاري بما لا يتجاوز 82 مليار ريال (2.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، اقترنت بانخفاض فعلي لإجمالي الإيرادات بنحو 5.9 في المائة مستقرة عند نحو 1.2 تريليون ريال، قلص من تأثير تراجع الإيرادات النفطية بنحو 12.3 في المائة، الارتفاع الجيد للإيرادات غير النفطية بنحو 7.3 في المائة، ووصولها إلى أعلى مستوى تاريخي لها عند 441 مليار ريال، وقابله في جانب المصروفات ارتفاع بنحو 9.5 في المائة إلى ما يناهز 1.3 تريليون ريال، أي بما يشكل نحو ثلث حجم الناتج المحلي الإجمالي، وبما يؤكد استمرار دعم الإنفاق الحكومي للاقتصاد الوطني، وتعزيز قدرته في مواجهة التحديات والتطورات غير المواتية التي شهدها الاقتصاد العالمي ولا يزال يشهدها، وما لذلك من انعكاسات سلبية على مختلف دول العالم، وهو ما نجحت فيه المالية العامة بالمساهمة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي، وضمان قدرته على التكيف مع التحديات الراهنة والمتوقعة إزاء الأوضاع غير المواتية للاقتصاد العالمي، إضافة إلى استمرار ترجمة مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030 وتقدمها على أرض الواقع عاما بعد عام، والوصول بها إلى تحقيق مستهدفاتها في نهاية عمرها المقرر، وما يشمله ذلك على رأس أولوياتها من الدفع بمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 في المائة، وما سيحمله زيادتها عاما بعد عام حتى نهاية 2030 من زيادة مطردة على مستوى تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وتخفيف أكبر للاعتماد على النفط، بما سيؤدي إلى زيادة قدرة الاقتصاد الوطني على توفير مزيد من كل من الفرص الاستثمارية محليا، إضافة إلى فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة، والمساهمة بدوره في الضغط على معدل البطالة بمزيد من انخفاضه إلى 7.0 في المائة فما دون بحلول نهاية 2030، إضافة إلى زيادة حجم القطاع الخاص بما يسهم في زيادة وتعزيز الإيرادات غير النفطية، وتخفيف الآثار العكسية الناتجة عن تذبذبات الأسعار العالمية للنفط.
لهذا شهدت سوق العمل المحلية إضافة أكثر من 1.1 مليون وظيفة منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية الربع الثالث، وفق بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ويقدر ارتفاع هذه الحصيلة من الوظائف الجديدة مع نهاية العام الجاري إلى أعلى من ذلك الرقم، حيث أسهمت الجهود المستمرة لتوطين الوظائف النوعية، وتوفير الوظائف المستدامة في زيادة أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص بنحو 153 ألف عامل حتى نهاية الربع الثالث، ووصول إجمالي العاملين من السعوديين في مختلف منشآت القطاع الخاص إلى نحو 2.3 مليون عامل. وعلى مستوى التجارة الدولية، فقد سجل إجمالي الصادرات حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري تراجعا بنحو 23.8 في المائة، مقارنة بـالفترة ذاتها من العام الماضي واستقرارها بذلك عند 910.1 مليار ريال، متأثرة بدرجة أكبر بتراجع الصادرات النفطية بنحو 25.9 في المائة للفترة نفسها إلى نحو 704.6 مليار ريال، كما تراجعت الصادرات غير النفطية للفترة ذاتها بنحو 22.1 في المائة، واستقرت مع نهاية الربع الثالث عند مستوى ناهز 160 مليار ريال. في المقابل ارتفعت الواردات للفترة نفسها بنحو 13.7 في المائة إلى 586.6 مليار ريال، ما أدى في محصلته إلى تحقيق الميزان التجاري للمملكة فائضا تجاوز 323.4 مليار ريال منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية الربع الثالث، بينما حقق الحساب الجاري لميزان المدفوعات فائضا بلغ 117.4 مليار ريال خلال النصف الأول من العام الجاري.
وبالنسبة إلى الاستثمار الأجنبي، فقد تمكنت المملكة بمركزها الاقتصادي من اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 14.3 مليار ريال خلال النصف الأول من 2023، وارتفع عدد التراخيص الاستثمارية المصدرة من وزارة الاستثمار بنحو 60.4 في المائة إلى نحو 3.5 ألف ترخيص، وشكلت الاستراتيجية الوطنية للاستثمار عنصرا رئيسا ضمن رؤية المملكة 2030، التي استهدفت توليد فرص استثمارية متنوعة وقوية، ورفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والعمل المستمر على تحسين البيئة الاستثمارية المحلية، وتسهيل أي معوقات أمام المستثمر الأجنبي، بهدف زيادة نسبة مشاركة الاستثمارات الأجنبية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 في المائة بحلول 2030. وأستكمل الحديث بمشيئة الله تعالى في المقال المقبل حول أهم وأبرز توقعات الاقتصاد الوطني خلال العام المقبل.
نقلا عن الاقتصادية