ما الأسهم التي يستثمر فيها أعضاء الكونجرس الأمريكي؟

10/12/2023 1
د. فهد الحويماني

هناك اهتمام متزايد بمسألة تداول الأسهم من قبل أعضاء الكونجرس الأمريكي، بين من يعارض السماح لهم بالتداول في الأسهم الفردية بشكل كامل، والاكتفاء بتداول صناديق استثمارية مكونة من عدة أسهم، إلى مقترحات تحاول معالجة أي تجاوزات محتملة من خلال التداول عن طريق صناديق الوصاية، حيث لا يتحكم العضو في انتقاء الأسهم ولا أوقات تداولها، بل يقوم بذلك طرف ثالث بشكل مستقل. من جهة أخرى هناك من يعتقد وجود معلومات استثمارية مهمة في معرفة الأسهم التي يبيعها ويشتريها هؤلاء الأعضاء، وبالتالي يمكن الاستفادة من تحركاتهم، فظهرت هناك جهات تقوم برصد وتحليل تداولات الأعضاء واتخاذ قرارات استثمارية بناء عليها، بطبيعة الحال أعضاء الكونجرس ليسوا خبراء أسواق مالية ولا محللي أسهم، بل إن أهمية رصد تداولاتهم سببها الاعتقاد السائد لدى المتداولين من عامة الناس أن هؤلاء الأشخاص لديهم اطلاع جيد ومعلومات مهنية وقانونية خاصة بالمجالات التي يشرفون عليها فتتكون لديهم آراء ذات قيم عالية، وآخرون يعتقدون أن لدى أعضاء الكونجرس معلومات داخلية غير متاحة لغيرهم من الناس، فتكون قراراتهم بالشراء أو البيع ناجحة أكثر من غيرهم، حتى إن كانت غير قانونية، بحسب قوانين أسواق المال.

في الأسبوع الماضي ترددت أنباء عن قيام سيناتور ديمقراطية من ولاية مينيسوتا تعمل عضوا في اللجنة الصحية لمجلس الشيوخ بشراء أسهم شركة صحية TCMD في أول نوفمبر وارتفع سعر السهم بعد ذلك بنسبة 40 في المائة، محققة أرباحا بنحو 100 ألف دولار، علما أن الشركة صغيرة وغير معروفة وقيمتها السوقية نحو 500 مليون دولار فقط، ومن ثم قامت بعد ذلك بتحقيق ربح بنسبة 30 في المائة في شركة صحية أخرى. هذا فقط الأسبوع الماضي، لكن هناك حالات عديدة تم فيها توجيه اتهامات مباشرة لأعضاء الكونجرس بالقيام بتداولات مشبوهة، علما أنه مسموح لهم تداول الأسهم، فلا خلل في مجرد شرائهم الأسهم، وقد كان النظام ما قبل 2012 أن على كل عضو كونجرس تقديم بيان سنوي عن تداولاته خلال العام، وبعد ذلك صدر قانون "تداول الأسهم بناء على معلومات أعضاء الكونجرس" في 2012، الذي نظم العملية بشكل أفضل قليلا، حيث يقومون بالإفصاح عن تداولاتهم خلال 45 يوما من تاريخ الشراء. ومع ذلك لا تزال هناك إشكاليات في تطبيق ذلك، فقد تم رصد مخالفات عديدة لهذا التنظيم الذي يكتفي بفرض عقوبة بمقدار 200 دولار فقط عن أي مخالفة، إلى جانب وجود صعوبات بالغة في إثبات كون عمليات التداول مبنية على معلومات داخلية أم لا. والمعلومات الداخلية هي المعلومات غير المتوافرة لعموم الجمهور، التي عندما يعلن عنها يكون لها تأثير جوهري في سعر سهم الشركة المدرجة.

خلال الشهرين الماضيين، ومن خلال أحد المواقع المختصة في رصد تداولات أعضاء الكونجرس - وهذه ليست توصية شراء ولا بيع، فقط أوردها هنا لمعرفة طبيعة الشركات التي يقوم هؤلاء الأعضاء بتداول أسهمها - نجد أن هناك شراء لشركات تعمل في مجال الرعاية الصحية مثل "آتريفيون" أو في مجال الطاقة مثل "دومينيون" أو البنوك مثل "شواب" وبنك "نوفا سكوشيا"، ويتبين أنه خلال هذين الشهرين قام العضو روهيت خانا بإجراء 401 عملية شراء، منها "وول مارت" و"إلكترونيك آرتس" و"بلاك روك" و"دير آند كومباني" وغيرها. وتوجد معلومات تفصيلية عن أسماء الشركات لكل عضو وطبيعة التداول، شراء أو بيعا، وحجم العملية التي قام بها، وتواريخها، وهناك من يجد فيها فائدة لأغراض المضاربة أو الاستثمار.

كما ظهرت هناك عدة تطبيقات ومواقع تقدم خدمات تعتمد على تداول هؤلاء الأعضاء، أحدها لديه مؤشر يعمل على استراتيجية الشراء والبيع على المكشوف حسب تداولات الأعضاء، حيث يتم شراء الأسهم التي يشترونها والبيع على المكشوف للأسهم التي يقومون ببيعها، وحتى الآن الاستراتيجية هذه تعطي نتائج جيدة أعلى من أداء السوق عموما، أحد الحلول الممكن تطبيقها على أعضاء الكونجرس العمل بقانون 10b5-1 المطبق من قبل هيئة الأسواق والأوراق الأمريكية، الذي إن تم تطبيقه فسيسمح لمالك الأسهم في الكونجرس بالبيع والشراء بحرية تامة دون الخوف من الوقوع في أي تداولات محظورة، وذلك بتسليم خطة تداول لطرف ثالث تشتمل على جدول زمني يحتوي على تواريخ العمليات المقبلة وعدد الأسهم التي يريد العضو بيعها أو شراءها، شريطة ألا يكون لدى العضو وقت إعداد الجدول أي معلومات داخلية، وبالتالي تكون عمليات البيع والشراء مجدولة مسبقا وغير مرتبطة بأي معلومات داخلية، حتى إن توافرت لديه معلومات لاحقا وقت إجراء التداولات.

التساؤل المهم هنا، وهو ما قد يعنينا في المملكة، عما إذا كانت هناك جهات يجب على هيئة السوق المالية الإشراف على تداولات موظفيها، وذلك يشمل أي جهات لديها معلومات تشريعية أو تجارية أو اقتصادية أو قانونية تتعلق بالشركات، مثل أعضاء الكونجرس في الحالة الأمريكية، وقد تشمل لدينا أي لجان حكومية وغيرها من كيانات مؤثرة منوط بها دراسة أي مواضيع مرتبطة بالشركات المدرجة، حيث يكون هناك بروتوكول معين يلتزم به جميع الأعضاء قبل وأثناء وبعد استصدار أي من هذه القرارات. الهدف بطبيعة الحال جعل السوق المالية تعمل بشكل نظامي كامل وعادل لجميع المتعاملين في السوق، وذلك لإضفاء المصداقية اللازمة على السوق المالية، ولا سيما أن هناك خططا طموحة لجعل السوق المالية السعودية واحدة من أكبر وأهم الأسواق المالية في العالم.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية