على الرغم من ضخامة المشروع الرياضي الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واستراتيجياته الوطنية المرتبطة بقطاع الرياضة؛ ومنها استراتيجية دعم الأندية، وخصخصتها، وإعادة هيكلة القطاع لتعزيز حوكمته ورفع تنافسيته، وتحقيق استدامته المالية، ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتحفيزه للقطاع السياحي، وتحقيق هدف بناء مجتمع صحي وحيوي ترتفع فيه نسبة ممارسي الرياضة بما ينعكس إيجابا على الصحة العامة؛ إلا أن مستوى الوعي المجتمعي بالمشروع لا يتوافق مع أهميته وضخامته، وحجم الإنفاق المالي عليه، ما قد يؤثر سلبا في تحقيق مستهدفاته، أو ربما تأخر تحقيق أهدافه المرجوة، لا جدال على وجود العمل المؤسسي الذي يُنفذ وفق رؤية واضحة واستراتيجية منضبطة، غير أنه يوَاجَه بتحديات مجتمعية ومنها الميول الرياضي والأهواء، والفكر الشعبوي المحرك للعواطف المؤثرة في الرأي العام، إضافة إلى التشكيك في مستهدفات المشروع، أو خلق رؤية مضادة تسيطر عليها الأهواء والانحياز للفرق الرياضية، لا الفكر الرياضي التنموي، لا يقتصر مشروع سمو ولي العهد الرياضي، على كرة القدم فحسب، بل يتجاوزها إلى جميع قطاعات الرياضة التي باتت أكثر استفادة من الدعم الحكومي السخي والاستثنائي، ما انعكس على مخرجاتها وتمكين الأندية والرياضيين السعوديين من الفوز بميداليات متنوعة في المنافسات العالمية والإقليمية، وآخرها فوز نادي الخليج ببطولة آسيا لكرة اليد، غير أن قطاع كرة القدم بات المسيطر حاليا، بسبب شعبية اللعبة وتعلق الجماهير بمنافساتها، يؤكد ذلك استئثارها بجميع برامج القنوات المتخصصة، والعامة، والصفحات والمواقع الرياضية.
تطوير قطاع كرة القدم يتطلب عملاً احترافياً لتحقيق المنفعة الكلية من الاستثمارات المالية الضخمة، والجهود الحكومية، والاستراتيجيات المعلنة التي تحتاج إلى بيئة محفزة على الإنجاز، وداعمة لها، وليست طاردة ومثيرة للشبهات، وموغلة بالتشكيك في نوايا المسؤولين، والأنظمة الرسمية. يُسيطر عليها بعض الإعلاميين الذين تحركهم الميول، ويجتهدون لتوجيه الرأي العام والتأثير السلبي فيه. هناك برامج وإعلاميون تخصصوا في تأليب الرأي العام، استنصارا لفرقهم، أو محاولة منهم لزيادة عدد المشاهدات التلفزيونية من خلال الجدل، أو زيادة المتابعين والردود على منصات التواصل الاجتماعي طلبا للكسب المادي. وهناك ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي جعلوا من نظرية المؤامرة قاعدة لصناعة محتواهم المثير للجدل والكراهية، غير مكترثين بأهم البرامج التنموية المرتبطة بالقطاع الرياضي، وحرص القيادة على تطوير كرة القدم، وتحويلها إلى صناعة تُدار من قبل شركات متخصصة، تحقق الاستدامة المالية والتنافسية، ليست على المستوى المحلي، بل الإقليمي والعالمي.
تهيئة البيئة المناسبة لاحتضان المشروع الرياضي لا تقل أهمية عن إطلاق المشروع ببرامجه وميزانياته الضخمة، فمتى أوجدت قاعدة البناء الصلبة سهل البناء، بعكس القاعدة الهشة التي قد تتسبب في هدر الوقت والأموال والجهود المبذولة. استقطاب لاعبين عالميين، واحتضان منافسات عالمية، وتطوير الملاعب ودعم الأندية، وإعادة هيكلة الأندية، وخصخصتها في حاجة ماسة إلى تفهم شعبي أكبر، وجهد إعلامي مكثف، وشفافية مطلقة تقتل الشائعات والتأويلات المثيرة للجدل والكراهية، شهدت الساحة الرياضية خلال الأيام الماضية، جدلا واسعا حول برنامج الاستقطاب، وبغض النظر عما قاله بعض رؤساء الأندية، والإعلاميين والبرامج الرياضية حول آلية الاستقطاب وما أثير حولها، إلا أن اللافت هو سيطرة لغة التشكيك عليها، ونزع صفة العدالة من المؤسسة الرياضية والجهات المعنية بالبرنامج.
التشكيك بقرارات وإجراءات المؤسسة الرياضية والجهات المعنية بإعادة الهيكلة لن تتوقف، وربما تتسبب في إفشال برامج مهمة ما لم يتم التدخل لوقفها، ومعالجتها بطريقة احترافية تعتمد الشفافية المطلقة قاعدة لها. غياب المعلومة الدقيقة، أو قصورها النسبي، يتيح الفرصة لرؤساء الأندية والمنتمين لها بتبرير فشلهم إن حدث ذلك ومحاولة تعليقه على المؤسسة الرياضية، كما أن غياب المتحدث الرسمي عن تفنيد تلك الشكوك، والرد على المغالطات إن وجدت، أو الإعتذار عنها إن كانت صحيحة، يشكل جانبا مهما من الإصلاح المؤسسي المعزز للمشروع.
إعادة هيكلة قطاع الإعلام الرياضي من أهم مراحل إصلاح قطاعي الرياضة والإعلام، فمن غير المقبول ظهور محللين رياضيين بقبعات أندية، أو أن تقوم البرامج الرياضية على نظام المحاصصة في اختيار المحللين، وكأنها تستنسخ تقسيم عدد مقاعد مشجعي الأندية المتنافسة في الدرجات. ومن غير المقبول أن يتبنى بعض المحللين سياسة الكذب في إطروحاتهم، لإثبات وجهات نظرهم. فالإعلام يجب أن يلفظ كل من يتجرأ على الكذب، أو أن يتسبب في الإضرار بالرياضة السعودية من أي جهة كانت. قيادة الرأي العام تحتاج إلى فكر تنموي رياضي اجتماعي، لا فكر مشجعي الأندية، وجدالهم الذي لا ينتهي، وتحتاج إلى احترافية إعلامية متوافقة مع الأهمية الكبرى لمشروع الأمير محمد بن سلمان الرياضي.
نقلا عن الجزيرة