القمة السعودية ــ الأفريقية

14/11/2023 1
د. عبدالله الردادي

شهر حافل مر على الرياض بقمم ضمّت عشرات الدول، ابتداء من قمة دول الآسيان قبل أسابيع قليلة، مروراً بالقمة العربية الإسلامية الاستثنائية، والقمة السعودية الأفريقية، وهي الأولى تاريخياً. هذه القمم التاريخية هي امتداد للسياسة السعودية في مد جذور التواصل والتعاون مع الدول بما فيه ازدهار للشعوب. والمتأمل في ركائز هذه القمم يجدها تتمحور حول شراكات استراتيجية شاملة تتطلع إلى المستقبل القائم على الاحترام المتبادل بين الدول، والعمل بما فيه مصلحة لجميع الأطراف. هذه رسائل توجهها الحكومة السعودية فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول العالم، وهي بذلك تمد يد التعاون مع أي دولة لديها الاستعداد للعمل بهذه المبادئ. ولعل القمة السعودية الأفريقية الأولى هي خير دليل على ذلك، تمخضت هذه القمة عن إطلاق خريطة طريق للتعاون بين السعودية والدول الأفريقية، أطّرت للشراكة الاستراتيجية التي ترتكز على علاقات تاريخية عميقة بين المملكة ودول القارة الأفريقية. هذه العلاقة، بحسب وصف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، هي علاقة روحية وتاريخية وثقافية واقتصادية وتجارية. ولا غرابة من معرفة أن المملكة حرصت دائماً على هذه العلاقة من خلال دعم المشاريع التنموية بأكثر من 45 مليار دولار خلال نصف قرن لـ46 دولة أفريقية.

استشعرت القمة العمق التاريخي بين الطرفين، واحتفت بالتبادل التجاري الذي بلغ 45 مليار دولار خلال العام الماضي، والذي نما بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية، لا سيما في التجارة غير النفطية. ولكن القمة كذلك قدّمت لما يحمله المستقبل من استثمار بين الطرفين. فأعلن سمو ولي العهد السعودي حزماً استثمارية متعددة، منها التعهد بضخ 25 مليار دولار للاستثمار في مختلف القطاعات في القارة السمراء، وتمويل وتأمين صادرات بقيمة 10 مليارات دولار، وتقديم 5 مليارات بوصفها تمويلاً تنموياً خلال السنوات الست القادمة. كما شهدت القمة توقيع أكثر من 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيم تعدّت الـ500 مليون دولار. ولأن الهدف هو أن تكون هذه الشراكة استراتيجية ومتكاملة، فقد وضعت القمة أربع مجموعات عمل لتحقيقها ولتكون أساس هذه الشراكة، وهي: مجموعة عمل الشؤون السياسية والأمنية والعسكرية ومكافحة التطرف والإرهاب، ولجنة الشؤون الاقتصادية والتنموية والتجارية والاستثمارية، وفريق عمل آخر للتواصل الثقافي والتعليمي والحضاري، وأخيراً الشؤون الإنسانية والصحية. ونتج عنها أن أعلنت السعودية عن زيادة تمثيلها الدبلوماسي في القارة الأفريقية إلى 40 سفارة، وعن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية بقيمة مليار دولار للبرامج والمشاريع التنموية على مدى 10 سنوات.

وقد سعت دول عديدة خلال السنوات القليلة الماضية إلى تعميق علاقاتها مع الدول الأفريقية، أو إعادة بناء علاقات قديمة، ولكن لم تخل هذه المساعي من أجندات مختلفة، ويمكن من خلال النظر في هذه المساعي معرفة الفوارق بينها وبين الشراكة السعودية الأفريقية. فعلى سبيل المثال، حاولت دول الاتحاد الأوروبي ترميم علاقاتها مع دول القارة الأفريقية خلال السنتين الماضيتين، ولكن هذه المحاولات اصطدمت بعدد من العوامل، أولها التاريخ الاستعماري الأوروبي لدول أفريقيا التي لا يزال بعضها يعاني منه، وهو ما جعل الأفارقة في تشكك مستمر من النوايا الأوروبية. ثانيها أن أوروبا عادت لأفريقيا بعد أن عانت من العوامل الجيوسياسية التي دفعتها إلى النظر في الموارد الطبيعية الأفريقية كبديل لما فقدته مع الحرب الروسية الأوكرانية، والثالث أن أوروبا عادت إلى أفريقيا بعد أن شاهدت الاستثمارات الصينية هناك، وبعض مساعيها لا يعدو كونه محاولات لاحتواء الدول الأفريقية بعيداً عن الصين.

وروسيا كذلك حاولت التقرب إلى أفريقيا خلال القمة الروسية الأفريقية قبل أقل من أربعة أشهر، ولكن محاولات روسيا كذلك كانت صريحة في توجهاتها، فوجود روسيا الأمني والعسكري في أفريقيا لا يمكن إنكاره، والرئيس السابق لمجموعة فاغنر كان من ضمن الحضور في تلك القمة، كما أن روسيا أدركت ما تحاول أوروبا فعله، فسبقتها إلى الاستثمار في أفريقيا لمحاولة السيطرة على الموارد الطبيعية وقطاع التعدين تحديداً، أو على الأقل منع الأوروبيين من السيطرة عليه.

ويكفي لفهم أهداف القمة «السعودية الأفريقية» مقارنتها بمثيلاتها من القمم والمؤتمرات خلال العامين السابقين. فالطرفان يدركان الأهمية التي يشكلانها لبعضهما البعض، والقرب الجغرافي الذي لعب دوراً جوهرياً لمئات السنين لم يزده الزمن إلا أهمية. ويمكن القول إن هذه القمة هي بداية لتعاون قائم على الشراكة الاستراتيجية والندّية والاحترام والمصالح المتبادلة بين السعودية والقارة الأفريقية، وهو أمر يصعب قوله عن قمم أفريقيا السابقة خلال السنوات الأخيرة.

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط