غالب الأنشطة تتطلب الحصول على موافقات من جهات حكومية. موافقات من قبيل السجل التجاري ورخص بلدية ودفاع مدني وغيرها. وتتعدد اشتراطات ومتطلبات هذه الموافقات وما يعطى لها من مسميات. وهناك جهود مبذولة. هناك دليل تراخيص الأعمال، وهناك المركز السعودي للأعمال. وهي جهود على رأس أهدافها توضيح الإجراءات والمتطلبات والتسهيلات لممارسة الأعمال التجارية، لكنها دون الطموحات والتنسيق بين الجهات في المسميات والاشتراطات والمتطلبات. مثلا، قد يحصل أحدنا على سجل تجاري تحت مسميات محددة في السجل للنشاط، وفقا لتصنيف لدى وزارة التجارة. ثم يراجع للحصول على رخصة ممارسة لنشاطه من جهة أخرى، فيطلب منه إدخال تعديلات في السجل، ما كان يتوقع أنها تطلب منه أصلا، حيث كان يفترض أصلا أنها محققة في السجل الذي حصل عليه، أي أنها مشمولة فيه، وهكذا. وتبعا، كان يفترض توضيحها عند التقدم للحصول على سجل، الفرصة ما زالت قائمة لمزيد تعاون وتنسيق لوجود بناء معرفي مشترك بين الجهات الحكومية المعنية. هناك حاجة إلى وجود بناء معرفي مشترك بين الجهات. بناء يحقق فوائد كثيرة. من الفوائد حصول تنسيق وتعاون يقلل سوء الفهم للتعليمات، وسوء الفهم بين المراجعين والجهات وسوء الفهم بين الجهات نفسها. وتبعا، يقل ما يبذل من جهد ووقت في المراجعات وما يترتب عليها من مصروفات ورفع تكاليف وخسائر وتعطيل وأضرار متنوعة من اقتصادية وغير اقتصادية، يطول توضيحها.
وقد سبق لوزير التجارة أن ذكر أننا بحاجة إلى أن نجعل الإجراءات أسهل وأسرع وأكثر كفاءة لدعم النظام الاقتصادي الذي من شأنه أن يكون مدعوما بالاستثمار والمعرفة وتنافسية رأس المال البشري، من جانبها، تدرك الجهات الحكومية العوامل، التي يمكن أن تنميها وتفعلها لتساعد بتسيير الأعمال، نشهد حاليا دعوات في العالم تدعو إلى التعمق في مراجعة التنظيمات وجودتها بما يساعد على خفض معدلات التضخم، طبعا ضمن حدود، حتى لا يكون ضرر الخفض أكثر من نفعه. وللعلم، معظم تكاليف التنظيمات غير مشاهدة بصورة مباشرة للناس. ولذا يصعب على موظفي الدول المكلفين بتطبيق ومراقبة تنفيذ التنظيمات فهم تأثير التنظيمات على الأنشطة والأسعار، من آثار التعليمات أنها تتطلب غالبا موارد فتكاليف أكثر للإنتاج أو البيع. لنأخذ الولايات المتحدة على سبيل المثال. ومعروف أنها تعاني موجة تضخم عاتية، وخاصة في البناء والعقار. يرى كثير من علماء الاقتصاد الأمريكيين مثل: Jon Hartley and Dustin Chambers and Courtney A. Collins أن أحد الأسباب الرئيسة في غلاء العقار في أمريكا كثرة وتعقد التنظيمات المتصلة بالعقار والبناء.
هناك محاولات منهجية ذات طبيعة علمية لتصنيف وتقدير التكاليف الكلية والجزئية للتنظيمات المباشرة وغير المباشرة. والتصنيف والتقدير للمباشرة طبعا أسهل، من أشهر ما كتب حول الموضوع دراسة للبنك الدولي عنوانها "تكاليف ومنافع التنظيمات: تداعيات للدول النامية" The Costs and Benefits of Regulation: Implications for Developing Countries، تبنت دول كثيرة قرارات وتنظيمات تصب في مصلحة تطوير وتسهيل التعليمات والتنظيمات وتنسيقها بين الجهات المعنية. ولعل ما فعلته الصين خلال العقود الأربعة الأخيرة يعد أشهر مثال. ويمكن في ثلاث نقاط تلخيص معاناة اقتصادات الدول من مشكلات في بعض التنظيمات والتعليمات.
الأولى، غموض وسوء فهم بعض الاشتراطات والضوابط. الثانية، مدى حكمة فرض تعليمات، كما هي بعينها. الثالثة، نقص قدرات ومهارات بعض موظفي الجهات الحكومية المعنية بمراقبة أنشطة ما. والنتيجة وقوع أخطاء وأضرار كان ممكنا تلافيها، من المهم التنبيه على أنني لا أعمم، فحدوث كل مشكلة من عدمه مرتبط بطبيعة وظروف كل دولة وكل مجتمع وكل حالة بعينها. والمطلوب تقليل احتمال الحدوث قدر الإمكان. وقد قام كثير من الدول بمراجعة وتعديل أو توضيح بعض التنظيمات، أختم بطرح مقترحات تساعد على تحسين التنظيمات في مختلف الدول. طرح دون شرح وتفاصيل. وهي ليست على سبيل الحصر طبعا. ولا شك في أنها تفيد أكثر في تشجيع ودعم نمو القطاع الخاص، وخاصة منشآته الصغيرة، وما يجلبه لأي اقتصاد من توظيف وغيره.
أولا، توضيح وشرح واف للتعليمات بكل وسيلة، ولا يكتفى بالكلام، بل تستخدم أيضا الرسومات ومقاطع الفيديو السهلة الفهم.
ثانيا، التدرج في تطبيق الغرامات، وقتا وقدرا، ومراعاة عوامل كثيرة.
ثالثا، التأكد من معرفة موظف الترخيص والرقابة الحكومي بطبيعة النشاط الذي يراقبه. يتم ذلك مثلا عبر حصوله على اختبار في فهم النظام والتعليمات المطلوب منه مراقبة تطبيقها. ويسبق الاختبار حصوله على تدريب عملي لطبيعة النشاط الذي يكلف أو سيكلف بالترخيص له و/أو مراقبته.
نقطة أخيرة، مع التطور التقني، من المهم تحقيق مواءمة قوية في عمليات الأنظمة الإلكترونية، والاهتمام بشبكة الاتصال وتطوير وتحسين التعليمات والمسميات ومتطلبات التراخيص وشروحاتها، وتنسيقها بين الجهات، بما يسهل تقنيا فهم واستفادة المراجعين، فتقوية الفوائد وتقليل سوء الفهم والأضرار. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
فتح الله عليك دكتور صالح ، رأي سديد ومفيد في إيجاد بنية معرفية مشتركة بين كافة الجهات ذات الصلة بنشاط معين. هل تقصد الاستفادة من التصنيفات الحالية ( مثل تصنيف الآيزك ISIC في وزارة التجارة وكذلك تصنيف القطاعات GICS الذي تستخدمه هيئة سوق المال) والتطوير عليها ؟