أظهر أداء الميزانية العامة للدولة خلال الأرباع الثلاثة السابقة من العام المالي الجاري، تراجعا سنويا في إجمالي الإيرادات بنسبة 10.1 في المائة إلى 854.3 مليار ريال، مقارنة بنحو 950.2 مليار ريال خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي، ويعزى الانخفاض إلى تراجع الإيرادات النفطية بنسبة 23.8 في المائة واستقرارها بذلك عند مستوى 505.4 مليار ريال "59.2 في المائة من إجمالي الإيرادات"، مقارنة بحجمها البالغ 663.1 مليار ريال خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي، وقد خفف من أثر تراجعها على مستوى إجمالي الإيرادات الارتفاع السنوي الجيد الذي سجلته الإيرادات غير النفطية بنسبة 21.5 في المائة، ووصولها إلى مستوى قياسي غير مسبوق في تاريخ الميزانية العامة، حيث استقرت مع نهاية الفترة عند مستوى ناهز 349 مليار ريال "40.8 في المائة من إجمالي الإيرادات".
لقد جاء ذلك الأداء المتماسك للميزانية على الرغم من تراجع الإيرادات النفطية، نتيجة تنامي الإيرادات غير النفطية المدفوع باستمرار المالية العامة في المحافظة على مسارها الحصيف، المتمثل في تكامل الجهود والتركيز على تحقيق مستهدفاتها كأولوية قصوى، ثم بفضل استمرار الزخم والانتعاش الاقتصادي المحلي، الذي تمكن من تحقيق نمو حقيقي بنهاية الربع الثالث من العام الجاري بلغ 3.6 في المائة لمصلحة الأنشطة غير النفطية، على الرغم من تراجع النمو الحقيقي للأنشطة النفطية بنحو 17.3 في المائة، كما أسهم وجود مستويات مطمئنة من الاحتياطيات المالية وصل حجمها بنهاية الفترة إلى أكثر من 407.7 مليار ريال، ومستوى متدن لحجم الدين العام لا تتجاوز نسبته 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "الأدنى مقارنة بدول مجموعة العشرين"، كل ذلك أسهم في تماسك واستقرار الميزانية العامة للدولة، وبعجز مالي عن الفترة لا يتجاوز 44 مليار ريال، تم تمويله بالكامل من الاقتراض من الأسواق الخارجية، ودون التسبب في مزاحمة القطاع الخاص والنشاطات الاقتصادية المحلية عموما على الائتمان المحلي، وهو ما أسهم في استمرار نموه بمعدل سنوي بلغ 9.3 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري.
في جانب المصروفات الحكومية، فقد سجلت خلال الأرباع الثلاثة السابقة من العام المالي الجاري نموا سنويا بنسبة 12.2 في المائة، استقرت بدورها مع نهاية الفترة عند مستوى 898.3 مليار ريال، مدفوعة بزيادة الإنفاق الرأسمالي على مشاريع التنمية المحلية، ونموها بمعدل سنوي وصل إلى 21.2 في المائة لتصل إلى نحو 110.7 مليار ريال، إضافة إلى زيادة الإنفاق الجاري على المنافع الاجتماعية بنسبة 27.0 في المائة إلى 75.9 مليار ريال "تشكل 9.5 في المائة من الإنفاق الجاري للحكومة خلال الفترة"، ويمثل ذلك البند من الإنفاق الحكومي إجمالي التحويلات الجارية إلى الأسر لتلبية الاحتياجات الناشئة عن أحداث مثل المرض أو البطالة أو التقاعد أو الإسكان أو ظروف أسرية، وقد تؤدى تلك المنافع نقديا أو عينيا. كما أسهم في ارتفاع المصروفات الحكومية خلال الفترة الزيادة في بند الإنفاق على السلع والخدمات بنسبة 24.7 في المائة، ووصولها إلى نحو 187.9 مليار ريال "تشكل 23.9 في المائة من الإنفاق الجاري للحكومة خلال الفترة".
إجمالا، يعزى الارتفاع السنوي في إجمالي المصروفات الحكومية خلال الفترة، إلى استمرار مختلف الأجهزة الحكومية في أداء وظائفها ومهامها المرتبطة بتنفيـذ كثير من البرامج والمشاريع والاستراتيجيات الداعمـة للنمو الاقتصادي المحلي، والهادفة في الوقت ذاته إلى توسيع وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، واستمرار العمل الدؤوب على طريق تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ضمن وتيرة متسارعة ومتكاملة من الجهود المشتركة بين مختلف الأجهزة الحكومية، إضافة إلى ما تقتضيه جميع تلك المهام والمشاريع من الارتقاء بمستويات الشراكة مع القطاع الخاص، وتحقيق كل ذلك ضمن الحدود المتاحة ماليا، والتزاما بالضوابط المالية المحددة، بما يتسق مع مبادئ الاستدامة المالية، وبما يضمن المحافظة على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية.
كما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فقد أفضت التطورات المالية العامة خلال الفترة إلى تشكل عجز مالي محدود لم يتجاوز 44 مليار ريال، وأنه تم تمويله بالكامل لمحدوديته من الاقتراض الخارجي، دون الاعتماد على الحساب الجاري أو السحب من الاحتياطيات الحكومية أو حتى الاقتراض الداخلي، وهو ما وفر بدوره قدرة جيدة للميزانية العامة تجاه استمرار السيطرة على الدين العام، ومكن المالية العامة من إبقاء الدين عند مستوى متدن "24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي"، والأدنى أيضا مقارنة بدول مجموعة دول العشرين، وكان قد وصل حجمه بنهاية الفترة إلى 994.3 مليار ريال، مقارنة بحجمه في بداية الفترة البالغ 990.1 مليار ريال.
يؤكد الأداء المالي المتحقق خلال الفترة أنه جاء تحقيقا لمستهدفات الحكومة في الأجل الطويل باستكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية، التي تم إجراؤها تحت مظلة "رؤية 2030" مع المحافظة على الاستدامة المالية، واستمرار تبني سياسات مالية محفزة للاقتصاد الوطني، ضمن الضوابط التي تسهم في المحافظة على الاستدامة المالية، وتطوير إدارة المالية العامة، ورفع جودة التخطيط المالي لتعزيز النمو الاقتصادي، والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد، واستهداف السياسة المالية في الأجل المتوسط تقوية المركز المالي للمملكة، المعزز لقدرتها تجاه الصدمات الخارجية المحتملة، بالمحافظة على مستويات الاحتياطيات الحكومية عند مستويات مناسبة، واستدامة مؤشرات الدين العام، وهو ما أظهرته حتى تاريخه مؤشرات الأداء المالي خلال الفترة، وعكس بدوره درجة عالية على مستوى تنفيذ البرامج والمشاريع الداعمة للنمو والتنوع الاقتصادي، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز برامج أنظمة الرعاية والحماية الاجتماعية، وتزامن كل ذلك مع المحافظة على المكتسبات المتحققة خلال الأعوام الماضية للمالية العامة. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية