معدلات الفائدة تتأثر مباشرة بارتفاع نسبة التضخم، لأن معدل الفائدة الظاهر أو الاسمي، من المفترض أن يعوض عن التضخم، إضافة إلى عائد حقيقي مقابل الأموال المستثمرة، فلو كان معدل الفائدة 6 في المائة ونسبة التضخم 4 في المائة يكون العائد الحقيقي 2 في المائة. ولهذا السبب يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بمراقبة التضخم عن كثب، ويتخذ إجراءاته فيما يخص معدلات الفائدة بناء على ذلك، وفي جلسته الأخيرة هذا الأسبوع قرر الفيدرالي ترك معدلات الفائدة كما هي، ما أعطى المستثمرين في الأسواق المالية شيئا من الأمل في أن نهاية رفع معدلات الفائدة باتت وشيكة، المستثمرون كذلك يراقبون جبهة أخرى في صراع معدلات الفائدة ألا وهي تحركات وزارة الخزانة الأمريكية، اللاعب الأكبر في سوق معدلات الفائدة والجهة التي ربما لديها معلومات وبيانات وقراءات مهمة قد لا تتوافر لدى الغير، لذا كانت الأنظار هذا الأسبوع متجهة نحو إعلان وزارة الخزانة برنامج التمويل الخاص بها لسد عجز الميزانية وما يحتويه من دلالات حول حجم التمويل ونوعه وأمده وحجم الاحتياجات التمويلية الحكومية. وخصوصا تكمن أهمية معرفة طبيعة برنامج التمويل هذا في الاستفادة منه في استكشاف مسار أسعار الفائدة على عدة آجال زمنية واحتمالات تغير شكل منحنى عائد الاستحقاق للدين الحكومي.
الإشارة الأكثر أهمية للمستثمرين هذا الأسبوع لم تكن قرار الفيدرالي ترك معدلات الفائدة كما هي، كون ذلك كان متوقعا بنسبة كبيرة ولم يكن مفاجئا على الإطلاق، بل إنه قبل ذلك بساعات قليلة أعلن خطة وزارة المالية للتمويل وإدارة الدين، التي تبين من خلالها تراجع طفيف في حجم الاقتراض للأشهر الثلاثة المقبلة، بمقدار 76 مليار دولار أقل عما كان معلنا سابقا، وخفض حجم الاقتراض من خلال مزادات السندات طويلة الأجل. في يوليو السابق أدى إعلان وزارة الخزانة عزمها اقتراض تريليون دولار للثلاثة أشهر المقبلة عن خوف وهلع في سوق السندات أدى إلى ارتفاع سريع في معدلات الفائدة تجاوزت 5 في المائة للسندات العشرية، قبل إعلان الفيدرالي قراره عدم رفع معدلات الفائدة كانت الأسواق تتفاعل إيجابا مع بيانات التمويل الحكومية بسبب عدم رغبة الحكومة إصدار سندات بآجال بعيدة ما يعني أن معدلات الفائدة المستقبلية قد تنخفض، وبالتالي فهو السبب الذي يجعل وزارة الخزانة تتريث لاقتناص معدلات فائدة أقل من الحالية. الحقيقة أنه تم توجيه انتقادات كثيرة لوزارة الخزانة في أنها فوتت فرص الاقتراض لآجال طويلة، 20 عاما وأكثر، حين كانت معدلات الفائدة تحت 2 في المائة لأعوام طويلة عقب الأزمة المالية العالمية في 2008، ولو أنها قامت بذلك لضمنت تمويل الميزانية لأعوام طويلة بتكاليف أقل منها حاليا، وللمعلومية حجم العجز في الميزانية للعام المالي الحالي تجاوز 1.7 تريليون دولار، أعلى بمقدار 320 مليار دولار عن العام الماضي.
جودة الاقتراض تعتمد على التكلفة وعمر محفظة الدين الذي يفضل أن يكون طويلا عندما تكون معدلات الفائدة متدنية للاستفادة من انخفاض تكلفة التمويل. للمقارنة، يبلغ متوسط عمر محفظة الدين الأمريكية 62 شهرا، منخفضا عن متوسط 70 شهرا في 2019، بينما في المملكة بحسب مكتب إدارة الدين التابع لوزارة المالية يبلغ متوسط عمر محفظة الدين نحو 112 شهرا، ما يعني أن الاقتراض تم لآجال طويلة، فمثلا معظم عمليات تمويل ديون وزارة المالية بالريال كما في نهاية 2022 تمت لآجال عشرة و12 و15 عاما، وقليل منها لآجال خمسة وسبعة أعوام، ومعظم الاقتراض تم قبل ارتفاع معدلات الفائدة، معروف أن السياسة المالية تلعب دورا كبيرا في نسبة التضخم، لذا ينظر إلى هذا الجانب لمعرفة توجه الحركة الاقتصادية وتأثير ذلك في المعروض النقدي وتكاليف التمويل. في حديث له الشهر الماضي يرى وزير الخزانة الأمريكي الأسبق أن رفع معدلات الفائدة التي يقوم بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليس لها التأثير ذاته كما في السابق، ويشير في ذلك إلى كيف أنه بعد مضي أكثر من عام ونصف على بداية مسلسل رفع معدل الفائدة الفيدرالي لا يزال الاقتصاد في حال نشطة وسوق العمل لا يزال يبحث عن موظفين ويدفع لهم أجورا عالية، أي إنه لا يمكن لأسعار السلع والخدمات أن تنخفض، حتى إن تراجع المعروض النقدي وشحت السيولة، طالما لا يزال هناك نشاط اقتصادي قوي.
من جهة أخرى، كثير من المستثمرين في القطاع العقاري السكني سبق أن اقترضوا لأعوام طويلة بسعر فائدة منخفض، لذا فإن هؤلاء لن يبيعوا ممتلكاتهم حاليا تفاديا للاقتراض بأسعار فائدة عالية، وبالتالي أصبح هناك شح في المساكن أدى إلى ارتفاع أسعارها، وبسبب ما يعرف بظاهرة الثراء حسب الوزير الأسبق فإن ذلك يؤدي إلى زيادة الاستهلاك واستمرار التضخم عند مستويات عالية نسبيا، معركة ارتفاع معدلات الفائدة لم تنته بعد حتى وإن جنح الفيدرالي إلى هدنة مؤقتة، وحتى مع تخفيف طرح سندات طويلة الأجل من قبل وزارة الخزانة، ما يؤخذ على أنه إشارة إلى احتمال انخفاض معدلات الفائدة في الأشهر المقبلة، فالاحتياجات التمويلية للحكومة الأمريكية كبيرة جدا، وقد كانت تكلفة فوائد الدين التي تم دفعها فعليا هذا العام 660 مليار دولار وارتفع معدل الفائدة لهذا الدين في الفترة الأخيرة إلى نحو 3 في المائة سنويا من دين عام فيدرالي نحو 34 تريليون دولار.
نقلا عن الاقتصادية