اتخذت خطوات في بناء نقل عام في مدننا الكبيرة. ومشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام في مدينة الرياض على رأسها. وضعت خطته الهيئة الملكية لمدينة الرياض، بهدف بناء وتشغيل شبكة نقل عام سريعة وفق أحدث التقنيات العالمية. شبكة تحقق منافع كثيرة، على رأسها تسهيل التنقل، وتخفيف الزحام المروري، وتخفيف عبء غلاء العقار عبر تسهيل الانتقال فالسكن في أطراف المدن، لكننا نلاحظ ضعفا شديدا في الطلب على النقل العام. على سبيل المثال، نرى في الرياض بأعيننا عربات النقل العام شبه فارغة من الركاب. وهذا معاكس لأهداف إنشاء النقل العام، السؤال الجوهري: لماذا الطلب على النقل العام ضعيف ضعفا ملموسا؟ ما المطلوب لجعل الناس تقبل على استخدام النقل العام إقبالا قويا؟ إقبالا يتسبب في تحقيق الأهداف والمنافع من النقل العام، خاصة لسكان المدن الكبيرة، الاستفادة من تجارب مدن مشهورة كبيرة في دول أخرى تساعد على جواب السؤال. تساعد على تشخيص ضعف الطلب على النقل العام في كبريات مدن بلادنا، فعلاج المشكلة. اتسع استخدام النقل العام في كثير من مدن العالم. وساعد على اتساع الاستخدام وجود بنية تحتية مشجعة. وتشمل هذه البنية شبكة واسعة وأعدادا كبيرة من الخطوط والناقلات المتنوعة الأنواع، والمحطات، ومواقف السيارات بحيث لا يوجد مكان تقريبا إلا ويمكن للناس الذهاب إليه بسهولة نسبية عبر مختلف وسائل النقل العام. باختصار، تتصف هذه الوسائل بسهولة التنقل عبرها، وتتوافر للناس معلومات ميسرة وإيجابية عن الاستخدام.
الرياض، على سبيل المثال، لا تقل سكانا ومساحة عن مدينة أخرى من كبريات مدن العالم. لكن عدد محطات النقل العام ومواقف السيارات قليل نسبة إلى مساحتها وسكانها وعدد أحيائها. ومعرفة هذه المحطات والمواقف وخدماتها والوصول إليها ليس ميسرا للأغلبية. وهذه من أسباب ضعف الطلب. وهناك طبعا عوامل أخرى تساعد على قوة الطلب أو ضعفه، كمدى سهولة الوصول أو الرجوع إلى هذه المحطات، وغير ذلك من عوامل مؤثرة في الطلب يطول الحديث عنها. وتزيد الأهمية مع حرارة الجو، ضعف الإقبال على النقل العام موضوع يتطلب بحثا عميقا. وهنا أركز على ثلاثة مطالب لتشجيع الناس على استخدام النقل العام، خاصة في المدن الكبيرة: الأول، جودة أرصفة المشاة. الثاني، كثرة المحطات. الثالث، كثرة مواقف السيارات القريبة من المحطات. وسأدخل في تفاصيل عن الأول، أرصفة المشاة مطلب لنجاح النقل العام. طبيعة النقل العام في مدن العالم تعني ضمن ما تعني أن أكثرية الناس الراغبين في استخدام النقل العام، خاصة القريبين من محطاته، متعودون على استخدام أرصفة مشاة آمنة للوصول إلى تلك المحطات.
غالب شوارعنا يفتقر إلى أرصفة مناسبة للمشاة. إننا أهملنا توفير أرصفة مشاة في شوارعنا على مدى عقود من الزمن. والكلام على الوضع العام، وليس عن شوارع أو أحياء بعينها، أغلبية مستخدمي النقل العام بحاجة إلى أرصفة آمنة للوصول إلى محطاته. تزداد أهمية الأرصفة للقاطنين قريبا من محطات النقل العام. وخلاف ذلك، وجود أرصفة مهيأة جيدا لاستخدام المشاة هو، من جهة أخرى، من أهم وسائل السلامة لأنها تقلل من احتمال تعرض المشاة لأخطار السيارات. كما أن وجود الأرصفة يسهم في رفع الوعي المروري على المدى البعيد، تعودنا صغارا وكبارا على استعمال قارعة الطريق أي السير فيما خصص لسير السيارات رغم خطورة ذلك. والخطورة تزداد كثيرا بالنسبة للأطفال حين خروجهم من وإلى البيوت والمساجد والمدارس. وخلاف ذلك، له أثر سيئ في تعويد الناس على ترك المشي.
كما تربي الصغار خاصة على قلة المبالاة لقواعد السلامة المرورية، مطلوب تبني أنظمة تحوي مواصفات وتصاميم لأرصفة مناسبة للمشاة، وأن تنفذ في كل الشوارع قدر الإمكان، لكن دون مبالغة في عرض الأرصفة أكثر من الحاجة. وهذه نقطة مهمة. ويفضل جيدا أن تظلل الأرصفة قدر المستطاع، حتى تخفف من حر الشمس وترغب الناس في المشي. ولا شك في أن حرارة الجو وأشعة الشمس تقللان من رغبة الناس في استخدام الأرصفة. والموضوع طويل ليس مجال نقاشه هذا المقال، غياب الطلب على النقل العام لا تقتصر أضراره على المفترض استفادتهم منه، بل تتعدى ذلك. من أمثلة التعدي زيادة استخدام السيارات، فزيادة ازدحام المدن بها. ومن المشكلات كثرة حوادث السيارات، وزيادة التلوث البيئي، قد يقول قائل إن الناس تعودت، بل أدمنت استخدام السيارات الخاصة، وهذا سبب ضعف الطلب على النقل العام. وهذا القول قد يكون صحيحا جزئيا في البلدات الصغيرة، وليس الكبيرة. لأن ثمن ضعف الطلب على النقل العام في الكبيرة باهظ.
باختصار، إنشاء النقل العام في المدن الكبيرة ضرورة. لكن لا بد أن يقترن هذا الإنشاء بتنفيذ عدد من المطالب المحفزة للناس بوضوح على الطلب عليه أعني النقل العام. وهنا مقترح الاستفادة من تجارب مدن في دول أخرى مشهورة بجودة النقل العام فيها. كما يقترح عقد ندوات ولقاءات لبحث جوانب المشكلة وسماع الآراء عنها وأنسب الحلول. هذا ما تيسر، وأما الدخول في التفاصيل فيطيل المقال.
نقلا عن الاقتصادية