ما دلالات تراجع أسهم البنوك؟

09/10/2023 8
د. فهد الحويماني

على ماذا يدل تراجع أسهم البنوك في المملكة والعالم؟ ولماذا نرى أرباحا جيدة، بل استثنائية للبنوك في المملكة والخارج، أليس من المفروض أن ينعكس ذلك على أسعار أسهم البنوك؟، انخفضت أسهم البنوك السعودية بنسب متفاوتة منذ قمتها في مايو 2022، بلغت 40 في المائة بحسب مؤشر قطاع البنوك السعودية، مقابل انخفاض بنسبة 23 في المائة لسوق الأسهم السعودية ككل، رغم تحقيق البنوك السعودية أعلى أرباح في تاريخها هذا العام، حيث وصل صافي الربح لجميع البنوك 51.1 مليار ريال في الأشهر الثمانية من العام، وهو الأعلى مقارنة بأي فترة مماثلة سابقة، الوضع المالي وحركة الأسهم في أمريكا مشابهان للبنوك السعودية، حيث فقدت البنوك الإقليمية نحو 45 في المائة من أسعار أسهمها مقارنة بفترة ما قبل رفع معدلات الفائدة، وفقدت نحو 37 في المائة من أسعارها منذ بداية العام الجاري. أما قطاع البنوك الأمريكية عموما فهو منخفض 37 في المائة منذ بداية العام وكذلك بالنسبة ذاتها مقارنة بفترة ما قبل رفع معدلات الفائدة في مارس 2022.

المفارقة هنا أن البنوك تستفيد من رفع معدلات الفائدة، كون ذلك يرفع من ربحية البنوك التي تعتمد بشكل رئيس على الفرق بين ما تجنيه من فوائد على القروض مقابل ما يتم دفعه للحصول على ودائع العملاء، وهذا ما تحقق بالفعل للبنوك خلال عام ونصف مضى. استفادت البنوك كذلك من قروض الشركات التي في الأغلب تكون بفائدة متغيرة وهي القروض التي تمت قبل 2022 حين كانت معدلات الفائدة منخفضة جدا، ولم يلتفت حينها كثير من الشركات لخطورة ارتفاع الفائدة عليها مستقبلا، لذا في حالات كثيرة أوقعت الشركات نفسها في مأزق دفع فوائد عالية على قروض قديمة لديها، وفي الوقت نفسه استفادت البنوك من ذلك، لكون تلك الأموال التي تم إقراضها سابقا للشركات كانت بتكلفة متدنية جدا على البنوك.

في أوروبا ولأعوام طويلة عقب الأزمة المالية العالمية كانت البنوك تواجه مشكلة تدني معدلات الفائدة في أوروبا والعالم، التي وصلت إلى تحت الصفر للسندات العشرية الحكومية في كثير من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا الدولة الأقوى في الاتحاد الأوروبي. لذا لم يكن أمام البنوك في ذاك الوقت إلا خفض الفوائد على ودائع العملاء، وحين لم ينفع ذلك كثيرا، اضطرت بعض البنوك إلى فرض فوائد على الحسابات الجارية للعملاء، حيث أصبح من يحتفظ بمبالغ فوق حد معين عليه دفع فوائد للبنك مقابل ترك أمواله لدى البنك، وكان ذلك منتشرا جدا على مستوى الحسابات الجارية للشركات وأقل من ذلك على حسابات العملاء الأفراد.

ما سبق يدل على أخطار انخفاض معدلات الفائدة للبنوك في تلك الأوقات، لكن ما المشكلة التي تواجه أسهم البنوك حاليا إن كانت البنوك بالفعل تستفيد من ارتفاع معدلات الفائدة، ولا سيما أن معدلات الفائدة ارتفعت بشكل مهول خلال فترة قصيرة؟، الحقيقة أن البنوك تستفيد من ارتفاع معدلات الفائدة إلى حد معين وليس بشكل مطلق، وتستفيد في حالات الرفع المفاجئ وليس الرفع المجدول المعروف أو المتوقع من قبل جميع المتابعين، كما يحدث حاليا حيث التوقعات تشير إلى ارتفاع بربع نقطة مئوية في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي المقبل. وحتى على فرض بقاء أسعار الفائدة مرتفعة فترة أطول مما كان متوقعا قبل أشهر قليلة، هناك مشكلة ارتفاع تكلفة الودائع على البنوك، التي تؤثر في ربحية البنوك، ومع بقاء أسعار الفائدة مرتفعة ستزداد حدة مطالبة العملاء بفوائد أعلى من ذي قبل. ومعروف أن البنوك تحاول تأخير رفع فوائد الودائع الزمنية والادخارية وفي بعض الحالات الحسابات الجارية، لكنها لا تستطيع القيام بذلك الآن بسبب كثرة الخيارات المتاحة أمام العملاء.

مشكلة البنوك نجدها في منحنى العوائد للسندات، الذي يواجه انعكاسا حادا غير مسبوق، حيث نجد عوائد السندات القصيرة تتجاوز 5.5 في المائة، بينما عوائد سندات خمسة أعوام 4.7 في المائة، ما يدل على وجود فرص مغرية للسيولة على المدى القصير فتكون بديلا عن الودائع البنكية. لذا في العام الماضي قام أحد أكبر البنوك السعودية بطرح سندات بعوائد 5.5 في المائة وجمع عشرة مليارات احتاج إليها البنك لتعزيز نقص سيولة الحسابات الجارية والودائع لدى البنك.

المشكلة الأخرى التي تواجه البنوك، وهي أحد مسببات انخفاض أسعار أسهمها، أن هناك تطورات متعلقة بالحوكمة والالتزام وضوابط عمل البنوك تقوم بها الجهات التشريعية والتنظيمية في أمريكا، عقب أزمة بعض البنوك في مارس من هذا العام، ومن غير المستبعد، بل من المتوقع، أن تتأثر بها البنوك السعودية، إن لم تطبق عليها كذلك، كون كثير من التنظيمات البنكية الأمريكية تصبح من ضمن الممارسات العالمية فتقوم كثير من البنوك حول العالم بتطبيقها.

من جهة أخرى، هناك شبح الركود الاقتصادي الذي يؤثر سلبا في البنوك نتيجة تراجع الطلب على القروض بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، وبالتالي حتى إن استفادت البنوك من ارتفاع معدلات الفائدة، فلن يكون هناك إقبال كاف على خدمات التمويل من البنوك. تضاف إلى ذلك مخاوف تعثر كثير من المقترضين بسبب ارتفاع الفائدة والأوضاع الاقتصادية، خصوصا القطاع العقاري التجاري في المملكة والخارج، وبالفعل رأينا تراجعا حادا في ربحية الصناديق العقارية المتداولة بسبب ارتفاع تكلفة الفائدة على قروضها المسعرة بفائدة متغيرة، وتفاقم المشكلة بسبب غياب ثقافة التحوط التي كان بالإمكان الاستفادة منها للتصدي لارتفاع معدلات الفائدة.

البنوك في كل مكان تواجه تحديات كبيرة في الفترة المقبلة، وهذا سبب تراجع أسهمها، هذا رغم جودة أرباحها في الفترة الماضية، وربما حتى أرباحها في الربع الثالث من العام، الذي ستبدأ فترة إعلان نتائجه خلال أيام قليلة. سابقا كانت البنوك تقوم بتعويض أي اختلالات في معدلات الفائدة عن طريق رفع إيرادات الخدمات البنكية كالرسوم مقابل الحوالات المصرفية وعمولات تحويل العملات الأجنبية وما شابهها، حيث كانت تصل أحيانا إلى ربع إيرادات الفوائد في بعض البنوك السعودية، إلا أن تغيير هذه الرسوم والعمولات قد لا يكون متاحا للبنوك بسهولة، بسبب المنافسة بين البنوك وشركات التقنية المالية والرقابة التي يفرضها البنك المركزي على أعمال البنوك.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية