خلال الأسبوع الماضي، تخلت أسعار النفط عن بعض مكاسبها بعد ارتفاع لمدة سبعة أسابيع متتالية، على الرغم من تخفيضات "أوبك+"، تراجعت المخزونات العالمية واتسعت حالة التراجع Backwardation، أي أسعار العقود ذات الأجل القريب أعلى من الأطول أجلا، التي تشير إلى قوة الطلب. وأظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن أعضاء المجلس منقسمون بشأن رفع أسعار الفائدة، ما قلل من احتمالية حدوث هبوط ناعم في الاقتصاد. كما عادت مشكلات الاقتصاد الكلي في الصين إلى الظهور مرة أخرى، ما أدى إلى انخفاض أسعار غرب تكساس الوسيط وخام برنت على أساس أسبوعي إلى 81.25 و84.8 دولار للبرميل على التوالي. وفي الواقع، تحاول الأسواق التوازن بين حالتي الاقتصاد الصيني والأمريكي من جهة، وتخفيضات "أوبك+" وقوة الطلب من جهة أخرى، ما يعطي توقعات السوق اتجاهات متعددة.
ترتبط مخاوف السوق بشكل أساسي بالديناميكيات المحتملة للطلب على المواد الخام في الصين. يحاول المتداولون اختيار معايير الحركة بين المخاوف بشأن الاقتصادين الصيني والأمريكي، والعوامل الداعمة لارتفاع الأسعار بما في ذلك انخفاض مخزونات النفط الأمريكية، في هذا الجانب، ذكرت إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات الخام الأمريكية انخفضت بمقدار ستة ملايين برميل. على وجه الخصوص، كان هناك انخفاض في المخزونات في منشأة تخزين النفط الرئيسة في كوشينغ، أوكلاهوما. هذا التراجع مقارنة بـزيادة قدرها 5.9 مليون برميل في الأسبوع الذي سبقه، التي جاءت بدورها بعد أكبر سحب للمخزون منذ أعوام، عند 17 مليون برميل في الأسبوع الأخير من يوليو. في ظل هذه التطورات، رفع بنك يو بي إس جروب أيه جي توقعاته لأسعار خام برنت في نهاية العام بمقدار خمسة دولارات إلى 95 دولارا للبرميل.
علاوة على ذلك، ساعدت جهود "أوبك+"، خصوصا المملكة وروسيا اللتين تواصلان اتباع سياسة خفض الإنتاج لتحقيق الاستقرار في العرض والطلب، على ارتفاع أسعار خام برنت منذ نهاية يونيو بنسبة 20 في المائة تقريبا. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يؤدي خفض إمدادات النفط، إلى انخفاض المخزونات قبل نهاية العام. مع ذلك، تراجعت أسعار النفط الأسبوع الماضي بناء على البيانات الاقتصادية الأخيرة من الصين، التي تشير إلى تباطؤ في النمو، حسب أرقام الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة في يوليو، في الوقت نفسه، تشير بيانات معدل تشغيل المصافي الصينية إلى أن الطلب على النفط لا يزال قويا ومتزايدا. وتؤكد البيانات أن شركات التكرير عززت معدلات التشغيل، حيث إن متوسط التشغيل اليومي في الشهر الماضي كان أعلى من متوسط يونيو 2023 ويوليو 2022. لكن، نقص العرض في سوق النفط عوض مخاوف تأثير الاقتصاد الصيني المتعثر في الطلب. على الرغم من التحول المخيب للآمال في البيانات الاقتصادية الصينية التي هيمنت على عناوين الأخبار أخيرا، بقيت المشاعر حول أسعار النفط تحت السيطرة.
في الواقع، أدت البيانات الاقتصادية الضعيفة من الصين، إلى تخفيضات مفاجئة في أسعار الفائدة من قبل بنك الشعب الصيني، حيث ارتفع الإنتاج الصناعي الصيني 3.7 في المائة فقط في يوليو مقارنة بالعام الماضي، وهو أقل بكثير من الزيادة البالغة 4.4 في المائة التي توقعها المحللون. في الوقت نفسه، تسارع تراجع الاستثمار العقاري في يوليو بنسبة 8.5 في المائة على أساس سنوي. لحسن الحظ، جاءت البيانات الخاصة بالنفط أكثر إيجابية، حيث عالجت المصافي 14.93 مليون برميل في اليوم من النفط الخام في الشهر الماضي، بزيادة 31 في المائة على أساس سنوي، و40 ألف برميل في اليوم أعلى من يونيو، بصرف النظر عن مخاوف الصين، لا تزال الأسواق المادية تظهر علامات على القوة، حيث من المتوقع أن تواصل مصافي التكرير الآسيوية زيادة الواردات بينما من المتوقع أن تنخفض مخزونات الخام في مركز كوشينغ في ولاية أوكلاهوما إلى أدنى مستوى لها منذ أبريل. وشهدت الإمدادات شحا متزايدا منذ أواخر يونيو، حيث خفضت المملكة وروسيا الإنتاج.
في غضون ذلك، كشف أحدث تقرير عن سوق النفط صادر عن "أوبك"، أن الطلب العالمي على النفط سينمو بمقدار 2.44 مليون برميل يوميا في 2023، ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 103.21 مليون برميل في اليوم. ويقدر التقرير أن الطلب على نفط "أوبك" سيكون 29.57 مليون برميل في اليوم في الربع الثالث، و30.76 مليون برميل في اليوم في الربع الرابع، ما يشير إلى سحب مخزون يزيد على مليوني برميل في اليوم في كلا الربعين عند مستويات إنتاج "أوبك" الحالية عند 27.31 مليون برميل في اليوم، في هذا الجانب أيضا، أكد محللو السلع في "ستاندرد تشارترد" هذا الرأي، قائلين إن توقعاتهم تشير أيضا إلى سحب مخزون كبير بلغ ذروته عند 2.9 مليون برميل في اليوم في أغسطس. وفقا للمحللين، خفض الإنتاج الفاعل، بقيادة المملكة، سيصنع الظروف لارتفاع أسعار خام برنت فوق أعلى مستوى لهذا العام البالغ 89.09 دولار للبرميل، إلى متوسط توقعاتهم للربع الرابع عند 93 دولارا للبرميل.
في الشهر الماضي، توقعت إدارة معلومات الطاقة أن يصل إجمالي إنتاج الولايات المتحدة في العام الحالي إلى 12.61 مليون برميل في اليوم، متجاوزا الرقم القياسي السابق البالغ 12.32 مليون برميل في اليوم المسجل في 2019، وأعلى من 11.89 مليون برميل في اليوم في العام الماضي. ربما يؤثر هذا في جهود "أوبك+" للحفاظ على الإمدادات منخفضة، في محاولة لدعم الأسعار. ليس هناك شك كبير في أن تشكيلات النفط الصخري في الولايات المتحدة مسؤولة إلى حد كبير عن إبقاء أسواق النفط جيدة الإمداد وأسعار النفط منخفضة نسبيا. مع ذلك، من غير المرجح أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة بدرجة كافية للضغط بشكل كبير على الأسعار العالمية. في هذا الجانب، يقول "ستاندرد تشارترد" إن التشدد الحاد الذي يظهر في النصف الثاني بدأ يصل إلى الأسواق المادية، ويبدو أن أسعار النفط مدعومة جيدا للتغلب على الأخبار السلبية المقبلة من الصين والولايات المتحدة. كما أسهم تراجع مخزونات النفط العالمية في تخفيف تداعيات الأخبار السلبية.
نقلا عن الاقتصادية