خيال اقتصادي

06/08/2023 2
علي المزيد

كلما استشعر البنك المركزي الأميركي أو الفيدرالي الأميركي بوجود تضخم، قام برفع الفائدة للجم التضخم، تليه بعد ذلك البنوك المحلية التي ترفع الفائدة بذات القدر، ويهدف رفع الفائدة للجم التضخم أو تقليل حدته على السوق والمستهلك، لأنه إذا رفعت الفائدة اتجهت السيولة للبنوك بدلاً من الدخول في مشروعات أو الاستثمار في أسواق الأسهم، لأن العائد يكون أعلى من الاستثمار المباشر، أو على الأقل أقل مخاطراً، فيما يكون هدف بعض المستثمرين تنويع الاستثمار، هذا ما يحدث في أسواق العالم، مع علم الجميع أن الاستمرار برفع الفائدة قد يجر للركود المؤدي للكساد الاقتصادي، بحكم أن رفع الفائدة يجعل المستثمرين لا يستدينون لإنشاء مصانع جديدة أو مشروعات جديدة أياً كان نوعها، بحكم أن تكلفة الاقتراض ستكون عالية عليهم، وهذا يفوّت خلق الفرص الوظيفية للمجتمع، ماذا لو جربنا سيناريو آخر؟ وهو ترك السوق تصحح نفسها، فمثلاً إذا توفر النقد قلّت الفائدة، وإذا شح النقد ارتفعت. هذا من جانب النقد، فماذا عن جانب السوق؟ في رأيي، إننا لو تركنا السوق حرة لوقت أطول فسنعاني من تضخم قد يستمر فترة أطول من المعتاد، ولكنه في النهاية سيتراجع، كيف؟

لأن السلع سترتفع بقدر يفوق ارتفاع معدلات ارتفاع الرواتب، لذلك تخرج شريحة من الناس عن استهلاك هذه السلعة، فيضطر البائع أو المصنع لتقليل هامش الربح، وهذا يخفض سعر السلعة ويقلل التضخم، هذا من ناحية، الناحية الأخرى أن معظم الناس دخولهم محددة، لذلك فالمفترض أنهم في حالة استلام المرتب يبدأون بالأهم ثم المهم، فيقتطعون ما يخص الآجار إن وجد، ثم ما يكفي للأكل والشرب، المهم بعد اقتطاع ما يخص الضروريات، قد لا يتبقى شيء، وإن تبقى فهو قليل وغير مؤثر في التضخم، يتبقى أولئك الأثرياء الذين يملكون الأموال، الذين يراهم الناس لا يتأثرون بالتضخم، ورغم أن مثل هذا التصور غير صحيح، لأن الأغنياء يحسبون الأمور بالهللة، وحينما ترتفع الأشياء يحجمون عن الشراء، ولكنني سأفترض العكس، وأنهم سيشترون مهما كان الثمن، فما الذي سيحدث؟

الذي سيحدث إذا تم هذا السيناريو أن مدة التضخم الزمنية ستطول قليلاً، بعدها سيبدأ تراجع التضخم، ذلك أن حاجات من يملكون النقد مهما بلغت ستشبع وسيتوقفون عن الشراء، ما يقلل الطلب فيتراجع التضخم، إذ لو تركنا السوق تصحح نفسها دون تدخل، فسنعاني مدة أطول من المعتاد، ثم نرتاح فترة أطول بدلاً من هذا التدخل المباشر. ألا ترون معي أن هذا خيال اقتصادي ممكن التحقيق. ودمتم.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط