للوهلة الأولى، يبدو أن فكرة تحول الطاقة تتعارض مع توسع صناعة تكرير النفط والغاز. لكن، في الواقع هذا تناقض سطحي، حيث لا يمكن التوسع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية دون صناعة تكرير النفط والغاز. وتستغل شركات النفط الآن هذه الحقيقة. في هذا الجانب، ذكرت "رويترز" أخيرا أن منتجي البتروكيماويات في الدول الآسيوية يستثمرون عشرات المليارات لتوسيع قدراتهم الإنتاجية للمنتجات عالية الجودة المستخدمة في صناعات الرياح، الطاقة الشمسية، والبطاريات. بالفعل، شركات النفط الوطنية والخاصة في عجلة من أمرها لوضع نفسها كمورد لمواد مثل ألياف الكربون لشفرات توربينات الرياح، مطاط البولي أوليفين للألواح الشمسية، والبولي إيثيلين لبطاريات أيون-الليثيوم، حيث، توضح الاستثمارات الكبيرة محرك الصين لتقليل اعتمادها على الواردات، وزيادة ترسيخ هيمنتها على الطاقة المتجددة وسلاسل إمداد المركبات الكهربائية. تضع هذه الخطوة الشركات الصينية في مواجهة شركات، مثل: داو كيميكال، إكسون موبيل، وباسف، في صنع المواد الأساسية.
تتحول الشركات من صناعة مزيد من البتروكيماويات الأساسية لأقمشة البوليستر والتعبئة والتغليف البلاستيكية، إلى تصنيع منتجات ذات قيمة أعلى، مثل لدائن البولي أوليفين المستخدمة لحماية الخلايا على الألواح الشمسية، والبولي إيثيلين عالي الوزن الجزيئي لفواصل بطاريات أيون-الليثيوم وألياف الكربون لشفرات توربينات الرياح. على مدى أعوام، كان المحللون ينظرون إلى قطاع البتروكيماويات في صناعة النفط والغاز، على أنه الجزء الوحيد المضمون من الأعمال الذي لديه فرصة للبقاء على المدى الطويل في المرحلة الانتقالية، شريطة أن يسير على النحو الذي يصوره مناصروه.
حتى لو كانت كهربة كل شيء ممكنة من الناحية الواقعية، سيظل العالم بحاجة إلى منتجات بتروكيماوية بكميات كبيرة حتى 2050. وإدراكا لذلك، تحرك بعض الشركات الكبرى، ولا سيما أرامكو، مبكرا لتضع نفسها في موضع ريادي في هذه الصناعة. ففي وقت سابق من هذا العام، أبرمت أرامكو صفقتين مع منتجي البتروكيماويات الصينيين: الأولى، تحديث مشروع مشترك مخطط له في شمال شرق الصين. والأخرى، الاستحواذ على حصة أكبر في مجموعة بتروكيماويات خاصة. تم الانتهاء من إحداهما في وقت سابق من الشهر الماضي، حيث اشترت أرامكو 10 في المائة في شركة رونغشنغ للبتروكيماويات مقابل 3.6 مليار دولار. وبموجب الاتفاق، ستورد أرامكو 480 ألف برميل يوميا من النفط لخام إلى شركة التكرير الصينية على مدى 20 عاما. ستشهد الاتفاقيتان قيام أرامكو بتزويد الشركتين الصينيتين بما مجموعه 690 ألف برميل يوميا من النفط الخام، ما يعزز مكانتها كأكبر مورد للنفط للصين.
بالحديث عن أرامكو، تعمل الشركة أيضا على جبهة النمو المحلي. حيث وقعت مع شركة توتال إنرجي الفرنسية، اتفاقية لبناء مجمع بتروكيماويات جديد في المملكة، بقيمة 11 مليار دولار. وقالت أرامكو إن المنشأة ستتكامل مع مصفاة في الجبيل وستضم واحدة من أكبر وحدات التكسير البخاري في الخليج بطاقة إنتاجية تبلغ 1650 ألف طن من الإيثيلين وغازات هيدروكربونية أخرى. تم تصميم هذا المشروع لأول مرة منذ عدة أعوام، وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي اتخذ الشريكان قرار الاستثمار النهائي. في ذلك الوقت، قالت شركة توتال إنرجي إنها ستمول المشروع بأسهم تبلغ أربعة مليارات دولار، مع امتلاك أرامكو 62.5 في المائة والشركة الفرنسية النسبة الباقية. كان من المفترض أن يبدأ البناء في الربع الأول من هذا العام. تم تحديد موعد الإنتاج الأول في 2027. تستثمر أرامكو منذ عدة أعوام بكثافة في الطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات كضمان للطلب على النفط على المدى الطويل. في الواقع، يشير معظم التوقعات التي تتنبأ بنجاح تحول الطاقة إلى أن الطلب على البتروكيماويات سيستمر عقودا طويلة.
يتطلع العراق أيضا إلى نمو قطاع البتروكيماويات. في وقت سابق من هذا العام، ظهرت تقارير تفيد بأن مشروع مجمع نبراس للبتروكيماويات الذي تبلغ تكلفته 8.5 مليار دولار قد ظهر مرة أخرى في الخطط الحكومية ويمكن أن يبدأ البناء قريبا. مشروع نبراس هو شراكة مع شركة شل، والتي تم الاتفاق عليها في الأصل في 2015 ولكن تم تأجيلها لعدم كفاية التمويل. كما ورد أن المملكة مهتمة أيضا بالحصول على حصة في مشروع نبراس. وتمتلك وزارتا النفط والصناعة العراقيتان 51 في المائة من المشروع الذي يعتقد أنه رابع أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم. وقال مسؤولون إن المشروع سيكتمل في غضون خمسة إلى ستة أعوام وسيحقق إيرادات إجمالية تبلغ نحو 90 مليار دولار خلال فترة تشغيله البالغة 35 عاما.
يتطلع آخرون أيضا إلى تعزيز قدراتهم في مجال البتروكيماويات. في بداية هذا العام، أعطت شركة قطر للطاقة الضوء الأخضر لمشروع راس لفان للبتروكيماويات، الذي سيتم تنفيذه بالشراكة مع شركة شيفرون. المشروع الذي تقدر قيمته بنحو ستة مليارات دولار، هو أكبر استثمار لشركة الطاقة القطرية، وسيزيد من طاقة إنتاج البولي إيثيلين في قطر إلى ما يقرب من 14 مليون طن سنويا. كما أنه سيجعلها أكبر منتج للإيثيلين في الشرق الأوسط، تعمل مصافي التكرير الهندية أيضا على ذلك. حيث، أشارت شركة مصفى مانجالور ومجمع البتروكيماويات المحدودة، وهي وحدة تابعة لشركة النفط والغاز الحكومية الرئيسة، أخيرا، إلى التحول بعيدا عن توسيع طاقاتها التكريرية لمصلحة تعزيز قدراتها في مجال البتروكيماويات. ووفقا للشركة، هذا التحول الذي قد يكلفها نحو 5.7 مليار دولار، سيساعدها على التخلص من المخاطر في مستقبلها بهدف تحول الطاقة.
في هذا الجانب، قال محلل "وود ماكنزي": "الإنتاج الفائض مع ضعف الطلب على المنتجات الكيميائية التقليدية، والنمو السريع في صناعات مثل مستلزمات الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، هي الدوافع الرئيسة في ضخ استثمارات ضخمة من قبل الشركات في منتجات أكثر تطورا وعالية الأداء".
لا شك في أن السياسات الحكومية التي تسعى إلى الريادة في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وكذلك المركبات الكهربائية، هي أيضا من بين دوافع موجة التوسع في البتروكيماويات الجارية حاليا. إنها بالفعل طريقة آمنة للتخلص من المخاطر في مستقبل الصناعة وتأمين طلب طويل الأجل على منتجات النفط والغاز.
إنها لمفارقة من أن تحول الطاقة بعيدا عن الهيدروكربونات يعتمد على هذه الهيدروكربونات نفسها ومشتقاتها المتطورة. كان عدم وجود بدائل مماثلة للبتروكيماويات المستخدمة في منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية أيضا أمرا لا مفر منه، وستستغرق وقتا طويلا، إن وجدت، حتى تظهر مثل هذه البدائل أثناء مرحلة التحول.
نقلا عن الاقتصادية