المقصود بالاتجاه الواحد هو أن المستثمر يعتمد في تحقيق الربح على تحرك الأسهم في اتجاه واحد، إما صاعدا أو هابطا، إضافة إلى توقعه حدوث ذلك خلال فترة معينة، أي عليه أن يكون محقا في الاتجاه والفترة الزمنية معا، وإلا فلن يتحقق الربح المستهدف. هذا هو الأسلوب الشائع والمعروف لدى المستثمرين، في حال الشراء يجب أن يرتفع سعر السهم خلال الفترة المتوقعة، وفي حال البيع على المكشوف يجب أن ينخفض سعر السهم كذلك خلال الفترة المتوقعة، بل إن حقيقة معظم المستثمرين أسوأ من ذلك كونهم يراهنون فقط على الصعود، ولا يتعاملون بالبيع على المكشوف، وهنا نتكلم عن المستثمرين في الأسواق الأمريكية أو السعودية على حد سواء، هذه الطريقة التقليدية الشائعة تنجح في حال كان توقيت المستثمر مناسبا، مثلا في بداية دورة أسهم جديدة أو نتيجة بروز شركة تعمل في مجال معين ومتوقع لها نمو كبير في المستقبل، لكن ذلك بالضرورة مبني على المراهنة على اتجاه واحد ويعد عالي المخاطرة، والسبب أنه لا أحد يستطيع الجزم بمسار الأسهم ككل ولا مسار أي أسهم مهما توافر لدى الشخص من معلومات وتحليل. في الوقت نفسه المراهنة هذه هي السبب في تحقيق أرباح عالية أو خسائر كبيرة من تداول الأسهم، ولذلك فهي مناسبة لمن يدخل إلى سوق الأسهم برأسمال قليل نسبيا، أو على أقل تقدير يدخل بالمال الذي لا يحتاجه طوال الفترة المستهدفة.
في المقابل هناك شريحة من المستثمرين المحترفين الذين لا يرغبون في المراهنة على اتجاه واحد، فيرضون بعائد معقول، لكن باحتمالية نجاح عالية، ويمارسون أساليب تحوط وتنويعا في الاستثمار، ويمارسون كذلك أسلوبا مهما جدا، وهو موضوع مقالنا هذا، ألا وهو أسلوب الشراء والبيع على المكشوف في آن واحد. لننظر إلى هذا الأسلوب وما فكرته وميزاته وعيوبه، وكيف يمكن تطبيقه على أرض الواقع، أسلوب الشراء والبيع في آن واحد يعتمد على فكرة الترابط في علم الإحصاء، التي تساعدنا على معرفة طبيعة العلاقة بين حركة سعر وسيلة مالية وأخرى، فإذا كان معامل الترابط بين وسيلتين يساوي 1.00 فالوسيلتان تتحركان بشكل متطابق، وإن كان الترابط بينهما صفرا فلا توجد علاقة بين حركة تلك الوسيلتين، أخيرا القيمة سالب 1.00 تعني أن الوسيلتين تتحركان بشكل معاكس لبعضهما بعضا. ما الفائدة من معرفة الترابط بين الوسيلتين؟
معرفة مقدار الترابط مهمة جدا في بناء المحافظ الاستثمارية، فلو أضفت إلى المحفظة سهما جديدا لديه ارتباط 1.00 مع أسهم المحفظة، فستبقى مخاطرة المحفظة دون تغير، وهنا نتجاوز بعض التفاصيل المتعلقة بمعامل بيتا كمقياس للارتباط مع السوق ككل. ولكن لو تمت إضافة سهم جديد معامل ارتباطه مع المحفظة سالب 1.00 فهنا تنخفض المخاطرة، لأنه في الأوقات التي ينخفض فيها سعر المحفظة سيكون هناك ارتفاع من حركة السهم الجديد الذي أداؤه معاكس لأداء المحفظة، من الصعب جدا الحصول على وسائل مالية متعاكسة الأداء بمقدار كبير ومناسب، مثلا أكثر من سالب 0.50، لكننا في حقيقة الأمر لسنا بحاجة لذلك إن قمنا بالبيع على المكشوف واعتمدنا على الترابط الموجب بين الوسائل، فمثلا في أمريكا الترابط بين أسهم شركات "إس آند بي 500" ومؤشر الشركات الصغيرة "راسل 2000" يصل إلى 0.87 وذلك حسب دراسة على مدى 20 عاما، وقريب من ذلك الترابط مع "ناسداك 100" بمقدار 0.90، أما الترابط مع السندات فهو سالب 0.28، أي عندما ترتفع الأسهم 10 في المائة تنخفض السندات 2.8 في المائة.
من المهم الإشارة إلى أن مقدار الترابط ليس مستقرا، بل قد يتغير على المدى القصير، لذا عادة ينظر إلى الترابط حسب الفترة المناسبة لاستراتيجية المستثمر مع أخذ العلاقة التاريخية في الحسبان، أي إنه عادة تعود العلاقة إلى مسارها الطبيعي مع مرور الوقت، وكذلك يمكن دراسة العلاقة بين حركة سهم معين وحركة مؤشر أسهم، أو العلاقة بين حركة سهمين معينين، أو العلاقة بين حركة القطاعين العقاري والصناعي، وهكذا، تجنب مخاطرة الاتجاه الواحد تعني إما شراء وسيلتين بترابط معاكس، وهنا ستكون الخيارات محدودة جدا، أو اختيار وسيلتين أو سهمين لديهما ارتباط طردي قوي، مثلا صندوق متداول للأسهم الكبيرة وصندوق آخر متداول للأسهم الصغيرة لديهما ارتباط قوي بنسبة 0.90، حيث يقوم المستثمر بشراء أحد الصناديق والبيع على المكشوف للصندوق الآخر. في هذه الحالة يجب أن يكون لدى المستثمر وجهة نظر معينة حول تحرك سعري الصندوقين، وبالتالي فهو معرض للمخاطرة كغيره، لكن الفارق هنا أنه يقوم بشراء صندوق ويبيع الآخر، بمعنى أنه في الأغلب لن يخسر ولن يربح من كلا الصندوقين في الوقت ذاته. لفهم الفائدة من هذه الطريقة لنفرض أننا بطريقة عشوائية قمنا باختيار أحد الصندوقين للشراء والثاني للبيع على المكشوف، مع بقاء الارتباط بينهما بمقدار 0.90، فما النتائج الممكنة؟
هناك أربع حالات رئيسة: (1) ارتفاع سعريهما معا، والنتيجة لا ربح ولا خسارة، لأن ربح صندوق الشراء يتلاشى بسبب خسارة صندوق البيع، (2) انخفاض سعري الصندوقين معا وبهذه الحالة كذلك لا ربح ولا خسارة، (3) ارتفاع صندوق الشراء وانخفاض صندوق البيع، وفي هذه الحالة نحصل على أعلى ربح ممكن، أخيرا (4) انخفاض صندوق الشراء وارتفاع صندوق البيع، وهنا تتحقق أعلى خسارة ممكنة نتيجة خسارة صندوق الشراء وكذلك خسارة صندوق البيع، يتضح من دراسة الحالات الأربع أنه إن قمنا بعملية الاختيار بطريقة عشوائية فهناك احتمال بنسبة 25 في المائة أن نتكبد أعلى خسارة، الحالة رقم (4) أعلاه، وهناك احتمال بنسبة 50 في المائة أن يبقى رأس المال كما هو، أخيرا احتمال بنسبة 25 في المائة لتحقيق ربح كبير، الحالة رقم (3). وهنا نصل إلى الفكرة الرئيسة من طريقة الشراء والبيع على المكشوف في آن واحد، وهي أن نجاح العملية يعتمد على قدرة المحلل ومهارته في اختيار الوسيلتين أولا ومن ثم اختيار أي منهما للشراء وأي منهما للبيع.
نجاح أسلوب الشراء والبيع على المكشوف في آن واحد يتم حين يختار الشخص الوسيلة المرشحة للارتفاع فيشتريها الآن، ويختار الوسيلة المرشحة للهبوط ويقوم ببيعها على المكشوف، والنقطة هنا أن ذلك يختلف عن مخاطرة الاتجاه الواحد بسبب قوة الترابط بين الوسيلتين التي بسببها تتقلص المخاطرة بشكل كبير مع تحقيق ربح مناسب لحجم تلك المخاطرة.
نقلا عن الاقتصادية
شكرا على المعلومات, عندي سؤال بعيد عن الموضوع بس عشان ما شاء الله عليك معلوماتك واسعة. الحين المستثمر اللي شاري أسهم و صناديق ETF أمريكية بالمحفظة الدولية عند بنك سعودي. عند وفاته (كل نفس ذائقة الموت) هل ميراثها يتم من خلال القوانين الشرعية المحلية السعودية بإعتبار التعامل و المحفظة كانت مع بنك محلي سعودي, أم يتم التعامل معها كميراث وفق الأنظمة الأمريكية لأنها حصص ملكية للشخص بأسهم و شركات أمريكية؟ يعني بإختصار ماذا يحدث للإستثمارات الأمريكية عند الوفاة؟ وشكرا من القلب
الموضوع هذا يحتاج بحث أكثر، أنا لا أعرف الجواب الكافي، ولكن سمعت إن قوانين الميراث الأمريكية تطبق على حملة الأسهم الأجانب، ويستقطع جزء كبير من الأسهم بسببها، لكن هذا فيما يخص حساب الفرد المسجل باسمه، سواء اشترى أسهم عادية أو صناديق متداولة.. وأعتقد إن شراء الصناديق الاستثمارية العادية أو المتداولة أو أياً كان شكلها، فالتصرف في حال الوفاة راجع لنظام الصندوق نفسه.. لأنها اتفاقية بين الصندوق والمستثمر، ليست مثل تسجيل أسهم باسم الشخص الطبيعي.. الموضوع يحتاج أحد متخصص وهو موضوع مهم جداً.
من واقع التجربة الإعتماد على مجال أو صنف أو سهم واحد محفوف بمخاطر كثير ولكن التنوع المدروس هو الأساس فمثلا في سوق الأسهم كلما إنتقيت عدد أكبرمن الأسهم كلما قللت المخاطر عني أستراتيجية أحاول تطبيقها الأن في محفظتي أولا : إنتقاء عدد من الأسهم على أسس كتعددة - الأداء المالي - المضاربة حسب فعاليه حركة السهم في السوق ثانيا: عدد شراء أكثر من 300 سهم في أي شركة من الشركات أي أن عدد الأسهم لا يتعدد 300 سهم من الشركة المختارة ثالثا: ربط السهم بحركة بيع وحركة شراء ، أي تطرح للبيع ، وتضع أوردة للشراء من نفس الشركة وسأحاول تطبيقة وأوافيكم بالنتيجة بعد أن أطبق التجربة لمدة 3 أشهر وسأبرز لكم النتائج ومجموعة الأسهم التي سأطبق من خلالها التجربة
نعم تنويع الاستثمار معروف إنه يخفف المخاطرة، ولكنه يختلف تماماً عن التحوط والاستراتيجيات الأخرى. وأعتقد بالنسبة لطريقتك الأفضل شراء صناديق متداولة وتحصل على التنويع بتكلفة أقل.
د فهد نحتاج منك مقالة تلخص فيها أسلوب (الشراء و الإحتفاظ) وهل هي فعلا الطريقة الأنسب لتحقيق ربح مجزي مقارنة بالأسلوب الأخرى على المدى البعيد يعني ١٠ سنوات و أكثر وتقبل تحياتي
د. فهد شكرا لمقالاتك الرائعة التي تتحفنا بها دوما. لغتك العربية السهلة تنم عن فهم دقيق وخبرة واسعة في الموضوعات التي تتطرق لها. متابعتي لألفا بيتا لتواجدك وتواصلك. تقبل أطيب تحية،،