تعددت أسباب توقف نشاط عديد من المنشآت في القطاع الخاص، تحديدا الصغيرة والمتوسطة، أذكر هنا أغلبها وفقا لما صرح به القريبون من أعمالها من مستشاري الاستثمار والأعمال والمختصين، بداية من افتقارها إلى كل من الخبرة والمهارات اللازمة، ودراسات الجدوى الرصينة والموثوقة لواقع السوق/ النشاط، التي كان وجودها سيضيف كثيرا من المعلومات إلى قرارات المستثمرين في تلك المشاريع قبل الإقدام على الممارسة، وبناء على تقييم المستشارين في تلك النشاطات ومجالات الأعمال، فقد كان أغلب من توقف نشاطهم من رواد الأعمال والمستثمرين، هم الذين افتقروا إلى الخبرة اللازمة، وافتقرت أيضا قراراتهم الاستثمارية إلى نتائج وتقييم دراسات الجدوى تلك، وأن السبب الرئيس الذي وقف وراء تجاهل أهمية تلك الدراسات، يعزى -وفقا للمستثمرين- إلى ارتفاع تكلفة تلك الدراسات، وتجاوزها مقدرتهم المالية المحدودة، لهذا فضلوا رغم نقص خبرتهم ومعرفتهم في السوق عموما، وفي النشاط المستثمر فيه، الإقدام والمخاطرة على الاستثمار، وبدأ النشاط بالاستناد إلى معلومات غير مكتملة، أو حتى غير دقيقة، إضافة إلى حصيلة معلوماتية سطحية، نتجت عن نقاشات واجتماعات مطولة مع الأصدقاء والمعارف بخصوص النشاط وأوضاع السوق، وبالطبع فقد أدلى كل بدلوه في تلك النقاشات المطولة، سواء كانت الآراء ووجهات النظر ناجمة عن علم ومعرفة أو دونهما.
السبب الثاني، تمثل في كثرة الرسوم المقررة تنظيميا، وارتفاع تكلفتها من قبل الأجهزة الإشرافية والرقابية، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الغرامات والجزاءات التي يتم فرضها على المنشآت المقصرة بالوفاء بالاشتراطات والمتطلبات النظامية، أو نتيجة لأي مخالفات يتم رصدها من قبل الفرق الرقابية، وأنه غلب على تلك الرسوم والغرامات عدم التفريق بين حجم المنشآت وعمرها في السوق، وفقا لما اجتمعت عليه أغلب آراء رواد الأعمال المبتدئين في مختلف النشاطات، بمن فيهم من لم يقع في فخ السبب الأول "غياب دراسات الجدوى، أو نقص الخبرة".
السبب الثالث، ارتبط بالقرارات المفاجئة من ملاك العقارات المؤجرين لمقار ومحال تلك المنشآت، برفع الإيجارات بنسب عالية جدا بعد عامين إلى ثلاثة أعوام من تدشين النشاط، ما ضاعف بدوره من الأعباء والتكاليف المالية على كاهل ملاك تلك المشاريع الناشئة الصغيرة والمتوسطة، ووصل بهم إلى طريق مسدود لم يعد لهم منه مفر! دفع بأغلبيتهم إلى إيقاف النشاط، وجزء محدود منهم فضل الانتقال إلى موقع آخر، إلا أنه عانى انخفاض التدفقات والمبيعات، ولم يتأخر كثيرا عن الاعتراف بالخسارة وإيقاف نشاطه بعد أن استنفد جميع الخيارات التي كانت متاحة له.
دون الخوض أكثر فيما تقدم من أهم وأبرز الأسباب التي أدت بعديد من المشاريع الناشئة الصغيرة والمتوسط إلى التوقف نهائيا، فإن الأحرى خلال المرحلة الراهنة التي تشهد توقف نشاطات عديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أن تبادر الأجهزة الإشرافية والرقابية إلى أداء بقية مسؤولياتها تجاه تنمية وتحفيز النشاطات الاقتصادية الواقعة تحت مظلتها، وأن تبدأ بالبحث والدراسة في عمق التحديات التي واجهها قطاع الأعمال وتتولى تنظيمه والإشراف عليه، وأن تبذل قصارى جهودها للوصول إلى الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء تعثر وتوقف المشاريع الاستثمارية تحت إشرافها، وتبادر بناء على نتائج دراستها الدقيقة كما هو متوقع، بتقديم الحلول اللازمة لتحفيز وتطوير بيئة الأعمال المشرفة عليها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب! بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك، فتقوم بمراجعة وتقييم جميع التدابير والإجراءات المعمول بها من قبل مختلف إداراتها وفرق العمل لديها، وتبادر من ثم بالعمل على تصحيحها، إن وجد أي خلل ما، وإقرار الإجراءات التنظيمية اللازمة لتحفيز بيئة الأعمال إن كانت غير متوافرة. كل هذا وما يرتبط به من جهود أخرى لازمة، تقع مسؤولياتها على كاهل أي من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، يدخل في صميم عمل تلك الأجهزة، ويمثل تحقيقا للمبادرات والبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، التي اهتمت بدرجة كبيرة جدا بمشروع تطوير جميع نشاطات الاقتصاد الوطني، وتوفير المحفزات اللازمة للنمو المستدام لمختلف النشاطات، واستمرار العمل على طريق زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي.
ونظرا إلى التشابك الكبير بين نشاطات الاقتصاد الوطني، قد يكون من الأهمية تكوين فرق عمل مشتركة بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، لتبدأ وفق منظومة عمل متكاملة تتمتع بالصلاحيات اللازمة التي تؤهلها لمواجهة التحديات المحتمل مواجهتها أثناء عملها، وبما يمكنها من اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب، وبما يقلل من البيروقراطية المعتاد اقترانها بعمل اللجان وفرق العمل المشتركة، خاصة أن كثيرا من التحديات والمعوقات التي يكابدها القطاع الخاص عموما، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة خصوصا، يشكل عامل الزمن فيها وزنا له أكبر التأثير، ويعد الزمن عاملا حاسما بالنسبة إلى كثير من المنشآت، خاصة تلك التي تواجه في الفترة الراهنة صعوبات جمة قد تؤدي إلى نهايتها، ما يقتضي إضفاء أكبر قدر من الحيوية والفاعلية على عمل فرق العمل المشتركة.
نقلا عن الاقتصادية
شكرا أخ عبدالحميد لطرح هذا الموضوع ... لكي نتقدم لابد ان نحل التحديات التي تواجهنا .. والأجهزة الحكوميه كونها هي المشرع والمنظم للسوق لابد ان تأخذ دورها الفعال والسريع في مساعدة أصحاب تلك المنشات في تخطي تلك التحديات.
مقال ممتاز منك ياستاذ عبدالحميد ...مشكلة دراسات الجدوى هي كما تفضلت تكلفتها وايضا انعدام المعلومات الدقيقة وهذا يتحمل جزء كبير منه الاجهزة الرسمية منها هيئة الاحصاءات ....كان لدينا جهاز ممتاز اسمه الدار السعودية للخدمات الاستشارية وكان لديه مئات دراسات الجدوى الاقتصادية للعديد من الصناعات ......وقد استفاد العديد من رجال الاعمال من تلك الدراسات ....وفي ليلة ظلماء وقبل عقدين او اكثر تم حل الجهاز وانهائه ....,ولا يوجد اي جهاز رسمي يقدم دراسات جدوى ولو بدائية للمشاريع سواء في القطاع الانتاجي او الخدمي .....دبر حالك وصارع علشان تحصل المعلومة اللي تفيدك في تقييم الوضع ...........اصعب شيء في قطاع الاعمال لدينا هو الحصول على المعلومات