المضاربة على تحركات «الفيدرالي»

11/06/2023 0
د. فهد الحويماني

مؤثرة هي قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المتعلقة بمعدلات الفائدة، تماما كما هي قرارات منظمة "أوبك" فيما يخص إنتاج النفط، لذا هناك اهتمام كبير من قبل المضاربين المحترفين بمعرفة توجهات معدلات الفائدة في الولايات المتحدة التي بدورها تؤثر في معدلات الفائدة في كثير من الدول حول العالم، ليس فقط المضاربون من يهتمون بحركة معدل التمويل الفيدرالي، وهو معدل الفائدة الذي يتحكم به "الفيدرالي"، بل كل المستثمرين يهتمون به لما لمعدلات الفائدة من تأثيرات جسيمة في أسعار الأصول، والحركة الاقتصادية عموما. على سبيل المثال، عندما ترتفع معدلات الفائدة ترتفع تكلفة التمويل على الأفراد والشركات، وتكلفة القروض العقارية، وفي الأغلب يرتفع الدولار بسبب جاذبية الودائع الآمنة، وفي الوقت نفسه تنخفض أسعار بعض الأصول كالذهب، وهكذا، من المهم إدراك أن معدل التمويل الفيدرالي الذي يحدده الفيدرالي هو المعدل المستهدف وليس المعدل الفعلي الذي تتم على أساسه عمليات الاقتراض بين البنوك، لكن بحكم ما لدى الفيدرالي من أدوات أخرى للتحكم بمستوى العرض النقدي في البلاد فإن معدل التمويل الفعلي دائما يكون قريبا للمستهدف من قبل الفيدرالي. في المملكة هناك معدل "سايبور" للاقتراض بين البنوك وهو شبيه بمعدل التمويل الفيدرالي الفعلي.

كيف يتم التعامل بمعدل التمويل الفيدرالي من قبل المستثمرين؟

هناك عقود مستقبلية في سوق شيكاغو خاصة بمعدل التمويل الفيدرالي تستخدم للتحوط ضد تقلبات أسعار الفائدة على المدى القصير، ويستفاد منها في أي محافظ استثمارية مكونة من سندات أو أي أدوات دين وذلك للحماية من حدوث خسائر في قيمة هذه المحافظ في حال تم رفع معدلات الفائدة على المدى القصير. فالذي يتم هو أن يقوم مدير المحفظة ببيع عقود التمويل الفيدرالي، حيث إن تم رفع أسعار الفائدة، فإن قيمة العقود تنخفض ويحقق مدير المحفظة أرباحا بحكم أنه قام ببيع العقود مسبقا، أي باعها على المكشوف، أما المضاربون الذين لديهم توقعات معينة بشأن قرار لجنة السوق المفتوحة التابعة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي التي تقرر في اجتماعاتها المعدل المستهدف للفائدة، فهم كذلك يبيعون أو يشترون العقود المستقبلية لمعدل التمويل الفيدرالي لجني الأرباح في حال صدقت توقعاتهم، وبالطبع يتقبلون الخسائر في حال عدم تحقق توقعاتهم.

على سبيل المثال، يمكن شراء عقود معدل التمويل الفيدرالي لشهر حزيران (يونيو) الحالي والمسعرة بنحو 94.885 نقطة في هذه الساعة، التي تعني أن المتداولين يرون أن معدل الفائدة بنهاية الشهر سيكون 5.115 في المائة، وذلك بخصم سعر العقد من العدد 100. لاحظ أن معدل الفائدة هذا يتماشى مع معدل الفائدة المستهدف من قبل الفيدرالي بين 5 و5.25 في المائة، وليس ضروريا أن يتماشى معدل الفائدة في سوق العقود المستقبلية مع المعدل المستهدف من قبل الفيدرالي، بل هو أولا يتماشى مع معدل التمويل الفعلي بين البنوك وثانيا هو يأخذ في الحسبان احتماليات تغير معدل الفائدة بعد اجتماع لجنة الفيدرالي التي مقرر أن تجتمع الأسبوع المقبل، يصل عدد العقود المتداولة اليومية لمعدل التمويل الفيدرالي إلى 200 ألف عقد في اليوم ويتقلب العدد حسب تحركات الفيدرالي، علما أن قيمة العقد الواحد عبارة عن ضرب عدد النقاط بـ4167 دولارا، أي تقريبا 400 ألف دولار هي القيمة الفعلية للعقد، لكن لشراء أو بيع عقد واحد منها يحتاج المضارب لدفع 1000 دولار فقط، وهو مبلغ الهامش المطلوب على هذا النوع من العقود.

لاستكمال المثال، لو حدث في الاجتماع المقبل رفع لمعدل الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، فسينخفض سعر العقد من 94.885 إلى 94.635، ويكون البائع رابحا 1042 دولارا من كل عقد تم بيعه على المكشوف، المضاربون يقومون بدراسة التحركات المحتملة للفيدرالي ومدى احتمال رفع الفائدة أو خفضها أو إبقائها كما هي، وهناك أداة تقدمها سوق شيكاغو لرصد هذه الاحتمالات التي تتغير يوميا، وهي حاليا تشير إلى أن نسبة إبقاء الفائدة كما هي تبلغ 72 في المائة، وأن نسبة احتمال رفع الفائدة المستهدفة 5.25 إلى 5.50 في الاجتماع المقبل 28 في المائة، الاحتمالات التي ترصدها الأداة المقدمة من سوق شيكاغو ليست عشوائية ولا مبنية على استفتاءات المستثمرين، بل يتم حسابها وفقا لحركة تداول عقود معدل التمويل الفيدرالي في السوق المستقبلية التي كما رأينا في المثال أعلاه تشير فيها أسعار العقود إلى أن الفائدة 5.115 في المائة، ولو حدثت تغيرات في السعر صعودا أو هبوطا فإن الاحتمالية تتغير وفقا لذلك ووفقا لعدد العقود وكميات البيع والشراء، وهكذا.

تتميز الأسواق المالية الأمريكية بتنوع الوسائل الاستثمارية وتعدد الأدوات المتاحة لكل المتعاملين، وفي الأوقات التي تأتي فيها أسعار الفائدة محط أنظار العالم هناك عدة أدوات يمكن الاستفادة منها في التحوط أو المضاربة. إلى جانب عقود معدل التمويل الفيدرالي هناك عقود مستقبلية أخرى للتعامل بمعدلات الفائدة على المديين المتوسط والطويل، مثل عقود أذونات وسندات الخزينة للآجال من عام إلى 30 عاما، إلى جانب عقود "اليورو دولار" المبنية على معدل ليبور بالدولار، أو تلك العقود المبنية على معدل "سوفر" البديل لمعدل ليبور الذي سيتم وقف العمل به قريبا، وغيرها من العقود. لمن لا يتعامل بالعقود المستقبلية هناك طرق أخرى للاستفادة من تقلب معدلات الفائدة من خلال صناديق متداولة يتم تداولها كالأسهم وهي تتعامل بالعقود المستقبلية وغيرها من المشتقات المالية، حيث يستفاد منها في التحوط أو المضاربة على ارتفاع معدلات الفائدة أو انخفاضها.

 

 

نقلا عن الاقتصادية