كغيره من المواد والأصول يتأثر سعر النفط الخام بقوى العرض والطلب التي بدورها تتأثر بتقلبات النشاط الاقتصادي حول العالم، ويتأثر كذلك سعر النفط بكمية الإنتاج النفطي لدى الدول المنتجة لما لذلك من تأثير في حجم العرض وتوقيته. وبينما لدى كثير من الدول مخزونات احتياطية من النفط تستخدم في حالات الطوارئ، على سبيل المثال لسد أي نقص في المعروض من النفط بسبب التقلبات الجوية أو العراقيل اللوجستية أو الاضطرابات السياسية والعسكرية وغيرها، إلا أن كمية المخزون الاستراتيجي لدى الولايات المتحدة تعد الأكبر حجما في العالم، بطاقة استيعابية تصل إلى 714 مليون برميل من النفط الخام.
ما تأثير هذا القدر الكبير من النفط في أسعاره؟ وهل يمكن استخدامه لخفض أسعار النفط؟ وهل يمكن لهذا المخزون الكبير أن يكون أحد أهم أسباب دعم أسعار النفط؟، مع انطلاق الحرب الروسية - الأوكرانية قررت أمريكا، في خطوة غير مسبوقة، استخدام 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي على مدى ستة أشهر، وفي وقتها كانت أسعار النفط تتجاوز 120 دولارا للبرميل، ورغم أن أسعار النفط لم تتراجع على الفور إلا أنها أخذت في الانخفاض إلى مستويات 76 دولارا خلال ستة أشهر منذ ذلك الوقت، المتبقي من المخزون الأمريكي حاليا نحو 365 مليون برميل، وهذا يكفي فقط لتغطية 18 يوما من الاستهلاك الأمريكي للنفط البالغ نحو 20 مليون برميل يوميا، أو يكفي لتغطية نحو 40 يوما من كمية النفط المستورد، حيث تستورد أمريكا نحو تسعة ملايين برميل يوميا، منها نحو 360 ألف برميل من المملكة، والأغلب من كندا والمكسيك.
تجدر الإشارة إلى أن هناك أربعة مخازن رئيسة للبترول، تتنوع بين مخازن للنفط الخفيف الحلو والنفط الثقيل، وهذه المخازن موصلة بأنابيب إلى عدة مصاف في جنوب أمريكا ووسطها. وطريقة التخزين تكون تحت الأرض وليست في توانك فوق الأرض، بل هي عبارة عن تجويفات أملاح صخرية تتميز بقدرتها على حفظ النفط دون تسريبات أو تلف، وتكلفتها ضئيلة مقارنة بالتوانك الحديدية، وللاستفادة من المخزون الاستراتيجي هناك برنامج لإعارة النفط للشركات عند الحاجة، حيث يمكن لمن لديه حالة عاجلة للحصول على النفط استعارته من المخزون ومن ثم استبداله بالكمية ذاتها والنوع ذاته في وقت لاحق متفق عليه، وبرسوم اقتراض متفق عليها.
النقطة المهمة هنا أن هناك حاجة إلى إعادة تعبئة المخزون الاستراتيجي، وبالتالي حتى إن كان الهدف من اللجوء إلى المخزون هو خفض أسعار النفط، فستكون هناك حالة عكسية يحدث معها طلب عال على النفط متى بدأت وزارة الطاقة الأمريكية بتعبئة المخزون مرة أخرى. وبحكم حجم المخزون وكون هناك دول أوروبية كثيرة لديها مخزونات مشابهة للمخزون الأمريكي لكن أقل حجما، فمن المفترض أن تكون عمليات إعادة تعبئة للمخزونات الاستراتيجية هي بمنزلة وضع حد أدنى لأسعار النفط، وهذه نقطة مهمة للمستثمرين في مجال النفط، ومهمة كذلك للدول المنتجة للبترول، وهذا يعني أن المخزون الاستراتيجي في حقيقة الأمر يساعد على حماية أسعار النفط من الهبوط.
بنهاية 2022 تم سحب كامل الكمية التي أعلن استخدامها من المخزون الاستراتيجي، البالغة 180 مليون برميل، وكان البيت الأبيض قد أعلن صراحة أن وزارة الطاقة ستقوم بالشراء لإعادة تعبئة المخزون متى كانت أسعار النفط في حدود 67 إلى 72 دولارا، وهي الأسعار الحالية لعقود النفط. وبالفعل بدأنا نرى كميات تداول يومية عالية على عقود النفط تتجاوز 500 ألف عقد في اليوم الواحد، علما أن المتوسط المعتاد في حدود 250 ألف عقد يوميا.
هنا نتحدث عن النفط المرجعي المستخدم في عقود البترول الأمريكية وهو نفط غرب تكساس من النوع الخفيف الحلو، ومن المعروف أن الأسعار المرجعية تستخدم، كما يتضح من اسمها، كأسعار يرجع إليها لمعرفة كيفية تسعير أنواع النفط الأخرى التي قد تسعر بخصم أو علاوة على أسعار غرب تكساس، أو كذلك يمكن استخدام أسعار عقود خام برنت كأسعار مرجعية، مرة أخرى، قد تكون عملية إعادة تعبئة المخزون الاستراتيجي أحد عوامل الدعم لأسعار النفط التي أخذت في الهبوط الشديد منذ نحو ثلاثة أسابيع وذلك بعد الارتفاع الكبير الذي تلا الإعلان المفاجئ لمنظمة "أوبك" عن خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم، وقفز بسببها سعر النفط لأكثر من خمسة دولارات في يوم واحد.
النقطة الأخرى أن بالإمكان الاستئناس بأسعار عقود النفط لمعرفة التوقعات المستقبلية للأوضاع الاقتصادية، فهناك عقود مستقبلية لكل شهر من العام، تتبع فيها أسعار النفط المسار الطبيعي الذي تكون فيه أسعار الأشهر البعيدة أعلى من أسعار الأشهر القريبة، لكن هناك حالات كما هو حاصل حاليا تكون فيها الأسعار في المستقبل أقل من الحاضر. فمثلا نجد أسعار النفط بعد عام من الآن تباع بسعر 65 دولارا، بينما السعر للشهر المقبل يبلغ 68.5 دولار حاليا.
اختلاف السعر في المستقبل له مسببات عديدة، أحدها ارتفاع احتمالية الدخول في ركود اقتصادي، كون ذلك يعني تراجع الإقبال على النفط. لذا إن أخذنا بما تقوله لنا أسعار النفط عن المستقبل، فالتوقعات أننا مقبلون على ركود اقتصادي، ومن جهة أخرى فالمخزون الاستراتيجي يشير إلى دعم لأسعار النفط عند مستويات 65 دولارا وما حواليها.
نقلا عن الاقتصادية