على مدى الأعوام القليلة الماضية، تعرضت صناعة النفط والغاز لضغوط للتكيف مع عالم جديد لا يزال يحتاج إلى هذه الموارد. كان العقد الماضي أو نحو ذلك مضطربا بالنسبة إلى صناعة النفط والغاز. هذه الصناعة يقوم عليها كل اقتصاد العالم، ومع ذلك تم التشكيك في وجودها مرارا وتكرارا، بعد أن تمتعت بدعم حكومي لا محدود بسبب الطبيعة الاستراتيجية للموارد التي تستخرجها من باطن الأرض، تجد صناعة النفط والغاز نفسها الآن تحت ضغوط تلك الحكومات نفسها التي كانت تدعمها. وأصبحت هدفا لضغوط نشطاء البيئة بصورة لم يشهدها العالم من قبل. لقد واجهت نوعا جديدا تماما -وخطيرا للغاية- من النشاط، عزوف المستثمرين. وتضغط الجهات التنظيمية على الشركات للإفصاح عن انبعاثاتها، ما فعلته صناعة النفط والغاز هو التكيف مع هذا الواقع الجديد. لم يكن الأمر سريعا، حيث إن طبيعة الصناعة تمنعها من التكيف السريع الذي تمتاز به شركات التكنولوجيا الكبيرة. ومع ذلك، فقد ارتقت صناعة النفط والغاز إلى مستوى التحدي. تكيفت الصناعة من التحول الرقمي إلى خفض التكاليف وتحسين الكفاءة عبر العمليات، إلى التنويع في أعمال مثل توليد الطاقة منخفضة الكربون واحتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين.
خذ شركة أرامكو، على سبيل المثال، أكبر شركة نفط في العالم، أعلنت الشركة طموحها في تحقيق صافي انبعاثات من الغازات الدفيئة من النطاق واحد "الانبعاثات المباشرة من المصادر التي تتحكم فيها أو تمتلكها الشركة"، والنطاق اثنين "الانبعاثات غير المباشرة المرتبطة بشراء الكهرباء أو البخار أو التدفئة أو التبريد" عبر أصولها المملوكة بالكامل بحلول 2050. بحلول 2035، تهدف أرامكو إلى تقليل كثافة الكربون في عمليات التنقيب والإنتاج، وهي بالفعل واحدة من أدنى المستويات في الصناعة، بنسبة 15 في المائة إلى 8.7 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل برميل من مكافئ النفط، مقابل خط الأساس لـ2018 البالغ 10.2 كيلوجرام. تهدف الشركة أيضا إلى تقليل أو تخفيف صافي انبعاثات الغازات الدفيئة في النطاق واحد واثنين عبر أصولها المشغلة بالكامل، في كل من قطاعي التنقيب والإنتاج والتكرير، بأكثر من 50 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول 2035، عند مقارنتها بالأعمال على النحو المعتاد. تعمل أرامكو أيضا على تسخير إطار اقتصاد الكربون الدائري، الذي يركز على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها والتخلص منها.
إضافة إلى ذلك، عملت المملكة على تطوير صناعة الهيدروجين، ويعد مشروع الهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم، الخطوة الأولى نحو إنشاء صناعة جديدة تسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية. ووفقا لـ"رؤية المملكة 2030" سيحد المشروع من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل ثلاثة ملايين طن سنويا، أو ما يقارب ما تنتجه 700 ألف سيارة من الملوثاتن مثال آخر شركة إكسون، التي اتهمت من قبل عشرات المنظمات البيئية بأنها عدو البيئة، تقوم الآن بتقديم خطط كبيرة بشأن احتجاز الكربون. في الواقع، تعتقد الشركة أن قسم الأعمال منخفض الكربون، الذي يركز على احتجاز الكربون بكثافة، يمكن أن يتفوق في المستقبل على أعمالها التقليدية لاستخراج وتكرير النفط والغاز.
في حين أن شركة بريتيش بتروليوم، أصبحت أكثر نشاطا من ذي قبل في مصادر الطاقة المتجددة وشحن المركبات الكهربائية. في الأساس، أرادت الشركة أن تقوم بكل ما يجري في قطاع الطاقة البديلة لتقليل بصمتها الكربونية، بالفعل أظهرت صناعة النفط والغاز مهارات تكيف ملحوظة في العقد الماضي، وتتمتع بكثير من الأدلة على ذلك. على عكس هتافات الناشطين، لن يتم الاحتفاظ بالنفط والغاز في الأرض في أي وقت قريب. لأن العالم يحتاج إليهما بكميات متزايدة، في هذا الجانب، افتتحت شركة بريتيش بتروليوم للتو أول منصة لها في خليج المكسيك بعد كارثة ديب ووتر هورايزون. كان الجميع يعتقدون بأن الشركة ستبقى بعيدة عن هذا المجال، لكن الطلب على النفط آخذ في الارتفاع، وتلك المنصة تقع فوق حقل يمكن أن ينتج نحو 140 ألف برميل من النفط يوميا.
إكسون -التي تخطط لأعمال احتجاز الكربون التي من شأنها أن تجلب أموالا أكثر من النفط والغاز- وضعت جويانا Guyana في قلب خططها للنمو في المستقبل. هذا العام فقط، تتطلع الشركة إلى إنتاج 360 ألف برميل في اليوم هناك. هذا ارتفاع من 120 ألف برميل في اليوم قبل عامين فقط، وسيرتفع الإنتاج أكثر من ذلك بكثير في المستقبل، من جانبها، تتوقع شركة شل منافسة كبيرة في مجال الغاز الطبيعي المسال بسبب بروز أوروبا كمصدر جديد وضخم للطلب. وفقا للشركة، هذا اتجاه طويل الأجل، وستؤدي "شل" بلا شك دورا نشطا فيه، نشطاء البيئة غير راضين عن مثل هذه التطورات. ومع ذلك، هذه التطورات لا يمكن تجنبها، وذلك بسبب الحقيقة البسيطة التي ذكرناها سابقا، العالم بحاجة إلى النفط والغاز لعقود طويلة مقبلة.
في الواقع، يحتاج العالم إلى الطاقة، وقليل من الناس يهتمون بمصدر هذه الطاقة. في الوقت الحالي، على الرغم من بذل كثير من الجهود لتغيير الوضع الراهن، فإنه يظل النفط والغاز -حتى الفحم- أفضل من بدائلهما الأحدث من حيث كثافة الطاقة والموثوقية. لا تزال هذه الموارد تمثل أكثر من 80 في المائة من مزيج الطاقة العالمي على الرغم من تريليونات الدولارات التي تم ضخها في مصادر الطاقة المتجددة. وسيحتاج العالم إلى مزيد من الطاقة في الأعوام المقبلة. سيؤدي هذا إلى تعقيد مهمة دعاة تحول الطاقة لأنه لم يعد يتعلق الأمر باستبدال النفط والغاز، بل يتعلق باستبدالهما والقدرة على الاستجابة لطلب أعلى بكثير على الطاقة. صناعة النفط والغاز تعرف ذلك. وهي على استعداد لتقديم استجابة لتطورات الطلب هذه وفي الوقت نفسه تقلل بصمتها الكربونية، وبطبيعة الحال جني الفوائد. قال البعض إن أرباح العام الماضي القياسية التي حققتها الصناعة لن تكررها أبدا، لكن من يدري؟ مع وجود ضغوط كبيرة من قبل نشطاء البيئة والحكومات على شركات النفط والغاز العالمية، قد يتقلص العرض بما يكفي لتحقيق مزيد من أعوام الأرباح القياسية.
نقلا عن الاقتصادية