كان مقبولا وربما مثبت بالتجربة أن الذهب يحمي من التضخم وملاذ من الحروب، لكن تجربة الأعوام القليلة الماضية تعاكس هذا المفهوم في العلاقة بين العملات الورقية والذهب. هناك طبعا علاقة أخرى يعرفها المستثمرون في العائد على الاستثمار في الذهب الذي بالكاد يجاري العائد على الوديعة، ولذلك العائد على الاستثمار في الذهب في العقود الأربعة الماضية وربما أطول لم يحقق عائدا تنافسيا مع الأسهم أو حتى السندات. لكن الذهب وغيره من المعادن لا يزال مهما ويشكل نسبة ولو صغيرة من احتياطيات الدول ومحافظ بعض المستثمرين. لهذه الأسباب رأيت أن هناك حاجة إلى مراجعة تاريخية لدور الذهب في النظام النقدي العالمي.
التاريخ الحديث نسبيا يمتد على مدى تقريبا قرن من 1873 إلى 1971. في 1873 سكت الإمبراطورية الألمانية الذهب بديلا عن الفضة كعملة رسمية، وبعدها فرنسا بأشهر استعملت الذهب فقط وليس الفضة والذهب كما كان. كما أن أمريكا في العام نفسه شرعت في التخلص من الدولار الورقي الذي أصدرته أثناء الحرب الأهلية، بينما بريطانيا كانت تتعامل بالذهب، بنهاية سبعينيات القرن الـ19 كانت كل الدول الغربية تستعمل الذهب، بينما اقتصر استعمال الفضة على الدول الأقل تطورا ما سبب انخفاض سعر الفضة 20 في المائة قياسا على الذهب. النظام المالي يسمح باستبدال العملة الورقية المثبتة بما يعادلها من الذهب. الإعداد لهذا النظام بدأ بقرار غير ملزم أثناء اجتماع دولي دعا إليه نابليون الثالث في 1867 للإجماع على الذهب واستبعاد الفضة أو غيرها. أخذت الدول عدة أعوام لتأسيس نظام نقدي جديد حيث كان 1873 عاما مفصليا، فدول أخرى مثل هولندا والدول الاسكندنافية أخذت بالذهب فقط. استقرار النظام المالي كان عاملا مهما في النمو الاقتصادي في العقود التي تلت النظام الجديد.
الفترة أيضا كانت ذهبية في التقدم العلمي والتقني حتى الحرب العالمية الأولى. طبعا لم تخل الفترة من تحديات خاصة في ظاهرة الانكماش بسبب قلة المعروض من النقود، وبالتالي ارتفاع نسبة الفائدة الحقيقية وتباعا تكلفة القروض، ومن ثم التمايز بين الدول وداخل الدولة الواحدة في التوزيع. عقدت عدة مؤتمرات لكن لم تستطع التوصل إلى نظام بديل. المنقذ للانكماش كان اكتشاف الذهب في جنوب إفريقيا الذي كان أكبر بكثير من اكتشافات كاليفورنيا وأستراليا ما خفف الضغط على النظام. الازدهار الاقتصادي رفع من شأن النظام النقدي المبني على الذهب. بعد الحرب والفترة التي كان لا يزال الجنيه والدولار يتشاركان في الدور المركزي كالعملات الرئيسة كانت هناك محاولات لإعادة مركزية الذهب. يقول بعض الاقتصاديين إنها ربما كانت أحد أسباب الكساد في 1929. لم يتعاف الاقتصاد الأمريكي إلا مع بداية الاستعداد للحرب العالمية الثانية على الرغم من محاولات إدارة روزفلت والتخبط في السياسة النقدية.
بعد الحرب وعلى أثر انفراد أمريكا عسكريا واقتصاديا أسس نظام نقدي جديد من خلال اتفاقية بريتون وودز التي قادها الأمريكي وايت والبريطاني كينز. نظام نقدي جديد يصبح الدولار أهم عملة ومثبت مقابل الذهب بما يسمح باستبدال الدولار بما يعادله من الذهب. فترة إعمار ونمو، خاصة في أوروبا واليابان التي شهدت تدميرا. مع نجاح هذه الدول اقتصاديا تكاثر الدولار، خاصة من خلال ظاهرة الدولار الأوروبي أصبح هناك ضغط كبير على أمريكا لأن توفر الدولار، وشجع كثيرين على طلب الذهب. ركود الستينيات وتكاليف حرب فيتنام أرغمت إدارة نيكسون في 1971 على إعلان نهاية الاستبدال، وبالتالي اعتماد الدولار الورقي بناء على الثقة بالمنظومة الأمريكية وتوظيف الذهب كأي سلعة أخرى.
نقلا عن الاقتصادية
مقال جميل عن التاريخ الحديث للنقد ...ولكن هذا المقدمة التاريخية عن النقد يفترض ان يعقبها مرئيات الكاتب لا ان تكون بداية ونهاية بذاتها ........على العموم اشكركم على المعلومات التي سقتها في هذا المقال ........ولكن اريد فقط اوضح ان جون ميرنارد كينز كان امريكيا من اصول بريطانية ...فانتاجه العلمي كان في امريكا وحياته العملية كذلك ونظرياته التي كتبها عن مضادات الدورة الاقتصادية counter cyclical كانت في امريكا وطبقت في عهد للرئيس الراحل FDR ... لا يفوتني ثانية ان اشكرك على هذا الاستعراض لتاريخ الاقتصاد النقدي ....كل عام وانتم بخير ..تحياتي
شكرا لك ، المقال معلوماتي لانه تاريخي و سوف احاول في المرات القادمة. كينز كما اعرف ولد و تعلم و عمل و توفي في بلده بريطانيا ، والده اقتصادي بريطاني ايضا.
كلامك طلع هو الصحيح ...انا كنت اعتقد انه هاجر إلى امريكا بسبب كثرة الحديث عنه في الميديا الاقتصادية الامريكية ....طلع ولد ومات وعاش في المملكة المتحدة ..https://en.wikipedia.org/wiki/John_Maynard_Keynes