تمكنت برامج التوطين والسياسات والإجراءات الواسعة جدا في بيئة العمل المحلية خلال 2022، من النجاح بدرجة مبهرة في خفض معدل البطالة من 11 في المائة بنهاية 2021، إلى أدنى مستوى لها منذ بداية نشر المعدل بصفة رسمية عند 8 في المائة بنهاية 2022، وهو الإنجاز اللافت الذي تضمن كثيرا من العمل المتكامل للوصول إلى هذا المعدل الأدنى في تاريخ البيانات المنشورة للسوق والمعدل، كان من أهمها وأبرزها توظيف أكثر من 779.4 ألف موظف وموظفة من المواطنين كمشتركين جدد في نظام التأمينات الاجتماعية، وبخصم المتوقفين عن الاشتراك البالغ عددهم نحو 447.7 ألف مشترك، لأسباب عديدة كان أبرزها الاستقالة وفسخ العقد بموجب فترة التجربة أو التدريب بنسبة 73 في المائة من إجمالي المتوقفين، فإن صافي الزيادة في أعداد العمالة المواطنة خلال 2022 يصل إلى أكثر من 331.7 ألف عامل وعاملة من الموارد البشرية المواطنة، التي تعني نموا سنويا بأعلى من 14.6 في المائة، كان من أهم نتائجه الإيجابية كبح معدل البطالة إلى أدنى مستوياته التاريخية، وفي الوقت ذاته رفع معدل التوطين في القطاع الخاص إلى 23.3 في المائة، والوصول بحجم العمالة المواطنة في القطاع إلى نحو 2.2 مليون عامل وعاملة، كأعلى مستوى تاريخي لتوظيفهم في مختلف منشآت القطاع الخاص.
كما كان من أبرز وأهم تلك التطورات الإيجابية في بيئة سوق العمل المحلية، أن أغلب الوظائف الجديدة التي تم شغلها من الموارد البشرية المواطنة، ذهبت لمصلحة الشرائح الشابة من تلك الموارد، بنسبة وصلت إلى 65.3 في المائة "68.4 في المائة لدى الذكور، 61.3 في المائة لدى الإناث"، وهو ما أدى إلى تحقق انخفاض قياسي في معدلات البطالة لدى تلك الشرائح، بانخفاضه في الشريحة العمرية 25 ــ 34 من 17.1 في المائة بنهاية 2021، إلى أن بلغ 10.8 في المائة بنهاية 2022، وهذا بالتأكيد من أهم وأولى الأولويات التنموية التي أولتها برامج التوطين المستحدثة أخيرا اهتماما أكبر، انعكست آثاره الملموسة على واقع وتحركات عمليات توطين الوظائف في القطاع الخاص، ويؤمل أن تستمر خلال الفترة الراهنة ومستقبلا، بما يؤدي إلى رفع مساهمة العمالة المواطنة في سوق العمل المحلية بالدرجة الأولى، وبما يعزز من الاستقرار المعيشي والمالي لأفراد المجتمع، الذي سيؤدي إلى تعزيز تحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030 من خلال جميع برامجها التنفيذية ومبادراتها الأخرى.
جاءت النتائج الإيجابية الأخيرة خلال العام الماضي، التي يؤمل أن تتوسع في المستقبل المنظور، نتيجة للتحسينات التي تمت على برامج التوطين السابقة، ومن أهمها على سبيل المثال لا الحصر، برنامج نطاقات المطور الذي قدم عديدا من المزايا الرئيسة، التي تنطلق من خطة توطين أكثر وضوحا لفترة الأعوام الثلاثة المقبلة، ويستهدف البرنامج زيادة الاستقرار التنظيمي لمنشآت القطاع الخاص، وتعزيز العلاقة الطردية بين عدد العاملين ونسب التوطين المطلوبة لكل منشأة، من خلال معادلة ترتبط بشكل متناسب مع عدد العاملين لدى المنشأة، وتبسيط تصميم البرنامج وتحسن تجربة العميل، بالاعتماد على دمج تصنيفات الأنشطة بناء على معايير محددة، تحددت في 32 نشاطا مقارنة بعددها السابق الذي كان 85 نشاطا، وتوقعت وزارة الموارد البشرية بناء على تقديراتها المستندة إلى عمليات التطوير البرامجي تلك، أن يسهم هذا البرنامج بمنهجيته الراهنة في توفير أكثر من 340 ألف وظيفة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وهو ما بدأت نتائجه الملموسة تظهر فعليا على واقع التوطين خلال العام الماضي.
وعلى مستوى برامج التوطين المستحدثة والمتخصصة، فقد كان من أهم تلك المبادرات التي تم إقرارها وبدء العمل بتنفيذها على أرض الواقع، ما تم بخصوص توطين قطاعات كل من خدمات الصحة، الذي استهدف توطين نحو 40 ألف كادر في القطاع الصحي، والاتصالات وتقنية المعلومات ويهدف إلى توطين 15.6 ألف وظيفة، إضافة إلى قطاع الإيواء السياحي ويهدف إلى توطين نحو ثمانية آلاف وظيفة، في عدة مهن وإدارات مختلفة في القطاع بمستويات مختلفة تبدأ من أول وظيفة حتى نائب مدير الفندق، ومجال المحاماة والاستشارات القانونية، الذي يستهدف توطين ستة آلاف ممارس، إضافة إلى قطاعات كل من التعليم، والتأمين والخدمات البنكية، والترفيه، والسياحة، والمتوقع توفيرها عشرات الآلاف من الوظائف المجدية والملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة ذات التأهيل الجيد، كما لا بد من الإشارة إلى الجهود المستمرة على طريق توطين مهن طب الأسنان، ويتوقع أن تسهم في توفير نحو ثلاثة آلاف ممارس، إضافة إلى توطين مهنة الصيدلة، التي يتوقع أن توفر عدد وظائف في هذه المهنة نحو أربعة آلاف ممارس.
إن ما تحقق من نتائج لافتة في بيئة سوق العمل المحلية خلال 2022، نتيجة لكثير من الجهود الواسعة التي تم بذلها من قبل مختلف الأجهزة الحكومية بالشراكة مع القطاع الخاص، في مقدمة تلك الأجهزة وزارة الموارد البشرية، يمكن أن تمتد نجاحاتها المتميزة خلال العام الجاري والأعوام المقبلة، التي يمكن معها الوصول إلى هدف خفض البطالة إلى 7 في المائة فما دون قبل نهاية الربع الأول من العام المقبل، أو بحلول منتصف العام المقبل على أبعد تقدير، ولهذا لا بد من المحافظة على تكامل الجهود والشراكة بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة وبقية منشآت القطاع الخاص، وصولا إلى تلك المستهدفات التي لم تعد بعيدة المنال، قياسا على التحولات العملاقة التي يشهدها الاقتصاد الوطني خلال الفترة الراهنة، ومن خلال الاستثمارات الضخمة التي يتم ضخها في الاقتصاد عموما، وفي القطاع الخاص على وجه الخصوص، التي ستعزز من قدرة القطاع الخاص على إيجاد مزيد من فرص العمل المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة الباحثة عنها، وهو الأمر القابل للتحقق متى ما تضافرت الجهود المبذولة وتكاملت تحت مظلة رؤية المملكة 2030.
نقلا عن الاقتصادية