لم تشهد الأخبار التي أفادت بأن أرامكو السعودية استحوذت على حصة قدرها 30 في المائة من شركة أوروبية (مصفاة تكرير النفط البولندية غدانسك) ذلك الانتشار الواسع في وسائل الإعلام، ومرت دون أن يلاحظها أحد في الغالب. وبصرف النظر عن بعض النقاشات حول قيمة الاستثمار، الذي اعتبر صغير الحجم، نظراً إلى أن قيمته لم تتجاوز 250 مليون يورو، فلم يكن هناك الكثير من الاهتمام بهذا الخبر وتفاصيله، ولكن ما لم يدركه مراقبو الصناعة هو أن هذه الصفقة ليست سوى ثاني استثمار لشركة أرامكو السعودية في شركة تكرير تقع ضمن الاتحاد الأوروبي (سبق لها ان استحوذت على حصة من شركة Motor Oil Hellas، ولكن الاستثمار اليوناني انتهى منذ عقود). وهذه الحقيقة لوحدها يجب أن تغير طريقة النظر إلى هذه الصفقة تغييراً كلياً.
يدرك المطلعون على سوق النفط والغاز أن أرامكو ليست شركة تنفذ استثماراً لمرة واحدة فقط. وفي حال أنها قامت بأي استثمار، فإنها تخطط للمستقبل الذي يمتد لعقود قادمة، وليس لمجرد فترات زمنية قصيرة لا تزيد مدتها على خمس سنوات كما هو معتاد في سوق الاستثمار في الأسهم الخاصة. كما أنه هذه الصفقة، تتضمن تحديات إدارية لم تتعامل معها أرامكو من قبل، يمكن اعتبار تكلفة الكربون هو التحدي الأكبر الذي يواجه مصافي التكرير في الاتحاد الأوروبي مقارنة بنظيراتها في مواقع أخرى. فبموجب نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات، تحتاج جميع المؤسسات الصناعية إلى تصاريح لثاني أكسيد الكربون المنبعث منها. ورغم أن الكثير من الشركات في العديد من الدول، وإن لم تكن في غالبيتها، تتلقى هذه التصاريح مجاناً، ولكن النسبة المطلوبة من التصاريح المجانية إلى العدد الإجمالي آخذة في الانخفاض، ويتحتم على الشركات أن تتحمل قدراً أكبر من التكلفة بنفسها، وهذا ما يزيد بالتالي من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية.
وإلى جانب ذلك، فقد صوّت البرلمان الأوروبي مؤخراً على حظر بيع السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي اعتباراً من عام 2035. وسيؤدي ذلك إلى تسريع انخفاض الطلب على وقود السيارات. وتسلط القوانين التي يسنها الاتحاد الأوروبي بشأن مساهمات التضامن الضوء أيضاً على حقيقة أن أوروبا ليست سوقاً تفتقر إلى المخاطر السياسية. ومع ذلك، ومن خلال تحولها إلى شركة تكرير أوروبية، فستحصل أرامكو على مقعد على الطاولة عند مناقشة المزيد من اللوائح، وإلقاء نظرة أفضل على مساعي التخلص من الكربون في السوق الذي لا يزال يعتبر رئيسياً للنفط الخام.
تعرضت أرامكو في السابق لعملية مماثلة من خلال تكييف معاييرها وفقاً للسوق الأمريكية، كما كان الحال بعد استحواذها على حصة أقلية في مصفاة ومشاريع البتروكيماويات التابعة لشركة موتيفا إننرتبرايسز. كانت في البداية، حصة أقلية، كما هو الحال بالنسبة للاستثمار البولندي في أوروبا. ولكن بعد ذلك، وتبعاً لسلسلة من التغييرات التنظيمية والداخلية، استحوذت أرامكو في عام 2017 على 100 في المائة من أسهم الشركة، وهذا ما مكنها من إجراء توسع كامل في أسواق أمريكا الشمالية والجنوبية. وفي الآونة الأخيرة، استطاعت شركة موتيفا التجارية، التي استحوذت عليها أرامكو، أن تطور نشاطها، واكتسبت الخبرة والقوة في أعمال التجارة العالمية.
يبدو أن عملية الاستحواذ على شركة موتيفا قد تمت بسلاسة. كانت العملية مشروعاً مشتركاً مع شركة شل، وبالتالي فقد استفاد المشروع من الخبرات المؤسسية التي تتمتع بها شركة شل في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، لا توجد مقارنة بين مصفاة غدانسك في بولندا - الشركة الخاضعة للتنظيم الأوروبي - وشركة موتيفا، من حيث حجم هذا الاستثمار أو قيمته. ومع ذلك، فهناك تشابه كبير فيما يتعلق بالتحديات التنظيمية بالنسبة لأرامكو، حيث يعد إطار لوائح الاتحاد الأوروبي التي انضمت إليها أرامكو للتو من بين أكثر الأنظمة صرامة في العالم.
أظهرت أرامكو اهتمامها بالاستثمار في مصنع للبتروكيماويات في بولندا، وبالتالي قد يكون هذا الاستحواذ خطوة أولى نحو استراتيجية أوروبية على نطاق أوسع. وإذا كان هذا هو الحال، فإن الدروس التي ستتعلمها على المدى القصير سيكون لها تأثير هائل على المزيد من القرارات الاستراتيجية القادمة، حيث تسعى أرامكو إلى أن تصبح شركة عالمية في مجال الطاقة.
مقال رأي - بقلم جوناثان لامب وزبيغنيو يانكوفسكي
خاص_الفابيتا