في الأسبوع الماضي، أثار احتمال ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وربما حتى أسرع من المتوقع، مخاوف أسواق النفط، ما أدى إلى أكبر خسارة أسبوعية منذ كانون الثاني (يناير). بدأ الانزلاق الثلاثاء وتسارع الخميس الماضيين، بعد أن قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إن البنك المركزي الأمريكي سيواصل رفع أسعار الفائدة كوسيلة للسيطرة على التضخم، ما يشير إلى أن هذه الزيادات ستكون كبيرة، وربما أكثر تواترا من تلك التي تم رفعها حتى الآن، كانت لهذا البيان تداعيات غير سارة على سوق النفط. إن الإيحاء بأن الاحتياطي الفيدرالي يخطط لرفع أسعار الفائدة يعني أن الاقتصاد ليس على ما يرام، كما كان يأمل الكثيرون، وقد يكون أسوأ إذا أصبح رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع أمرا ضروريا. الركود قد يعني أيضا انخفاض الطلب على النفط، لذلك لا عجب أن يكون رد فعل التجار هو البيع.
لكن توقف عمليات التسليم من المصافي الفرنسية، والضعف الطفيف في الدولار، قد يجتذبان بعض عمليات تغطية مراكز البيع. إضافة إلى ذلك، كان هناك دعم من توقعات ارتفاع الطلب الصيني، وبيانات التوظيف الأمريكية التي جاءت أفضل من المتوقع، فارتفعت أسعار النفط بأكثر من 1 في المائة، الجمعة، على الرغم من انخفاض كلا المعيارين القياسيين بأكثر من 3 في المائة خلال الأسبوع بسبب توترات رفع أسعار الفائدة الأمريكية. وارتفعت أسعار برنت 1.19 دولار إلى 82.78 دولار للبرميل، وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 96 سنتا، إلى 76.68 دولار للبرميل، قد يقول البعض، إن الأسبوع الماضي كان مجرد أسبوع آخر في تداولات النفط، وفي الواقع، أسعار النفط تتقلب باستمرار لدرجة أنه من الصعب للغاية التنبؤ بها بأي دقة، خاصة خلال فترة زمنية قصيرة. ومع ذلك، تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم المحللين يتوقعون ارتفاع أسعار النفط في وقت لاحق من هذا العام. يبدو أن هناك إجماعا واسع النطاق على هذا المنحى.
في هذ الجانب، يقول بعض المحللين إن البيانات الفنية لتداول النفط تشير إلى أن الأسعار سترتفع. حيث إن البيانات التاريخية تظهر أن أسعار النفط تميل إلى الارتفاع بين آذار (مارس) وأيار (مايو) في معظم الأوقات، لذلك من المنطقي توقع ارتفاعها هذا العام أيضا. البعض الآخر، حدد عاملين من شأنهما دفع الأسعار على جانبي العرض والطلب: روسيا والصين على التوالي. ويتوقعون أن يرتفع خام برنت فوق 100 دولار للبرميل بحلول نهاية العام ومتوسط 90 دولارا لـ2023 بأكمله، وتشير معظم التوقعات إلى أن الطلب العالمي على النفط هذا العام سيرتفع بمقدار مليوني برميل يوميا أو نحو ذلك، وستشكل الصين نصف ذلك النمو. إلى جانب الصين، ستلعب الهند أيضا دورا رئيسا في دفع الطلب، مدعوما بنمو اقتصادي قوي. بالفعل، أصبحت الهند ثالث أكبر سوق للسيارات في 2022، متجاوزة اليابان، من المقرر أن يرتفع استهلاك النفط في الهند ودول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يساعد على دفع الطلب العالمي إلى مستوى قياسي يقدر بنحو 101.9 مليون برميل يوميا هذا العام، وربما يغرق السوق في عجز بحلول النصف الثاني.
مع ذلك، فإن الرياح المعاكسة المحتملة للطلب على النفط كامنة، إذ لا تزال المخاوف من حدوث ركود عالمي باقية مع قيام البنوك المركزية بتشديد السياسة النقدية في سعيها لكبح التضخم، من ناحية أخرى، سيتقلص الإنتاج الروسي هذا الشهر وربما يظل متشددا، ما يزيد الضغط الصعودي على الأسعار. هذا على الرغم من أن الأسعار تراجعت عن الصدمة الأولية بعد وضع مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي حدا أقصى لأسعار النفط الروسي، وتراجعت الأسعار بشكل أو بآخر بشكل مستمر منذ ذلك الحين، عالقة في نطاق ضيق حول 80 دولارا للبرميل لخام برنت، ثم هناك بنك جولدمان ساكس، الذي كرر كبير اقتصاديي الطاقة التابع له أخيرا توقعات البنك بارتفاع أسعار النفط، موضحا ذلك بالتأخر بين صدمة سوق النفط -خاصة صدمة العرض- وتأثير الصدمة التي تظهر في أسعار العقود الآجلة. حيث إن الصدمات الفورية في السوق لها تأثير فوري في الأسعار، كما يتوقع الجميع. من ناحية أخرى، تستغرق صدمات أسواق العقود الآجلة شهورا لتظهر وتؤثر في الأسعار.
استنتج البنك الاستثماري هذا بعد النظر في بيانات صدمات الطلب الفوري، مثل البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال من الصين أو الولايات المتحدة، وصدمات العرض الفوري، مثل الكوارث الطبيعية، وصدمات الطلب في المستقبل، مثل إعلانات التحفيز المالي، وصدمات العرض المستقبلية، مثل تصريحات مجموعة "أوبك+" لخفض الإنتاج، في الواقع، فقط الأسبوع الماضي، كانت هناك صدمة طلب فورية عندما قالت الصين إنها ستستهدف نموا اقتصاديا بـ5 في المائة هذا العام، وتم اعتبار الرقم مخيبا للآمال، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط. كان ذلك قبل أن يحذر المشاركون في أسبوع سيرا 2023 CERAWeek، مثل هيثم الغيص الأمين العام لمنظمة أوبك، وبعض المديرين التنفيذيين لكبرى شركات النفط من أن العرض شحيح -وهو صدمة محتملة في الإمدادات في المستقبل- ما أدى إلى ارتفاع الأسعار مؤقتا، في هذا الجانب، قال الأمين العام لمنظمة أوبك، إن صناعة النفط والغاز بحاجة إلى قدر كبير من الاستثمار من أجل تلبية الطلب العالمي المتزايد. إن هناك "نقصا كبيرا" في حجم الأموال التي يتم استثمارها في صناعة الطاقة. وأضاف أن "حجم الاستثمار" في الهيدروكربونات مثير للقلق.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون، "ليس هناك كثير من الطاقة الفائضة في الوقت الحالي، ولا توجد مخزونات نفط كبيرة". "هناك الآن كثير من القيود.. أي حدث غير متوقع اليوم من شأنه أن يوجد توازنا مختلفا في السوق". بالفعل، يبدو أن السوق مهيأة لارتفاع الأسعار. وفقا لـ"أوبك"، ووكالة الطاقة الدولية، سيصل الطلب العالمي على النفط هذا العام إلى مستوى قياسي. في وقت، مجموعة "أوبك+" ملتزمة باتفاق خفض الإنتاج، وروسيا أعلنت خفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميا هذا الشهر. ومنتجو النفط الأمريكيون أشاروا مرارا وتكرارا، إلى أنهم لن يعطوا الأولوية لنمو الإنتاج. في النهاية، الأمر كله يتعلق بالتوازن بين العرض والطلب. عندما يتشدد الأول، ويظل الأخير قويا، ترتفع الأسعار لا محالة.
نقلا عن الاقتصادية