من طبيعة الأسواق أنها في حركة دائمة. وفي علم الاقتصاد آلة للتفسير اللفظي والكمي اسمها نظرية العرض والطلب.
خيارات المشتري هي الأساس الأول في الطلب، والتكاليف على البائع هي الأساس الأول في العرض. والمعضلة في الوصول إلى سعر توازني في وقت بعينه بين هذين النوعين المتضادين العرض والطلب.
وقلت في وقت بعينه لأن الثلاثة العرض والطلب والأسعار في ارتفاع مستمر مع مرور الوقت. وارتفاع الأخير يسمى التضخم. وبعبارة أخرى مكافئة الانخفاض المستمر في قيمة النقود.
وتبعا، يرتبط تفسير التضخم بفهم مبادئ العرض والطلب.
هناك علاقة عكسية بين الأسعار والكميات المطلوبة من السلع عندما تبقى الأوضاع الأخرى على حالها.
لكن بقاء الأوضاع على حالها ممكن فقط في وقت بعينه. أما مع مرور الوقت فلا يمكن أن تبقى على حالها.
ولذا نفهم من شرط بقاء الأوضاع الأخرى على حالها أنه لا يصلح أن ننقض مبدأ العلاقة العكسية استنادا ـ مثلا ـ إلى ارتفاع الطلب على السلع، خلال فترة كذا، مقرونا بارتفاع أسعارها خلال الفترة نفسها، مع تجاهل ارتفاع الدخول و/أو الثروات أو تغير الرغبات أو الظروف مثلا.
من المهم جدا أن يفهم أن المقصود بالكميات المطلوبة الكميات التي يرغب المستهلكون "وبصفة أعم المشترون" فعلا في دفع مقابل لها، وليس مجرد حب الحصول عليها، لأن الإنسان بطبيعته يبحث عن مزيد من السلع والخدمات والثروات. بل إن هذه الطبيعة تجعل العلاقة عكسية، لأنه لا يمكن تلبية كل رغبات الناس.
ماذا بشأن العرض؟ بعكس الطلب، العلاقة طردية بين السعر والكمية التي يرغب المنتجون في إنتاجها وبيعها عندما تبقى الأشياء الأخرى على حالها.
هذه العلاقة طردية، فلماذا هي كذلك؟
المنتجون يرغبون في الحصول على الربح، ومن ثم فكلما كانت الفرصة في تحقيق ربح أعلى رغبوا في إنتاج المزيد، والعكس بالعكس، كلما ضعفت الفرصة لتحقيق ربح، رغبوا في إنتاج أقل.
العلاقة لها حيثيات وتفصيلات كثيرة لم أذكرها، ويكفي القارئ هنا أن يعرف الخلاصة وهي أنها طردية.
عندما يتلاقى العرض والطلب يحدث توازن سوقي.
ذلك أن كليهما العرض والطلب في السوق يتفاعلان لإيجاد توازن بين السعر والكمية، وهو ما يسمى توازن السوق. وعند السعر التوازني ليس هناك أي توجه لارتفاع أو انخفاض السعر، وهو ما يعني تساوي العرض والطلب.
عندما تتغير العوامل التي يعتمد عليها العرض أو الطلب، خلاف السعر، يتحرك كل من العرض والطلب، ومن ثم تحدث تغيرات في توازن السوق من جهة السعر من جهة الكمية.
الظواهر الاقتصادية، بطبيعة الحال، أكثر تعقيدا في العادة من التوضيحات السابقة، فالقوى الاقتصادية تعمل في آن واحد، وتعمل على تحريك كل من العرض والطلب آنيا.
المفاهيم والتصورات السابقة لا تكفي لفهم هذه التعقيدات، لكنها رغم ذلك تبقى الأساس.
تطبيقا لما سبق على استقدام أو انتقال اليد العاملة من بلد إلى بلد، أجريت دراسات عديدة جدا في الدول الصناعية خاصة على تأثير ذلك الانتقال في أجور تلك الدول. الفهم المبدئي أن تدفق الوافدين يزيد العرض، "مزيد من عرض اليد العاملة"، وهذا يعني انخفاض أسعار اليد العاملة "الأجور".
هل يتحقق ذلك دوما؟
أجريت عدة دراسات في أمريكا "ومتوقع في غيرها أيضا"، ودلت على أن الهجرة إليها لم تتسبب في خفض الأجور. كيف؟ تلك الدراسات أجريت على مدن مثل ميامي ونيويورك التي شهدت موجات كبيرة من الوافدين ولم تشهد هبوطا في الأجور، مقارنة بمدن ومناطق حضرية أخرى استوعبت مهاجرين أقل عددا، لكن الأجور فيها انخفضت.
الطلب على اليد العاملة في المجموعة الأولى قوي، بخلاف الثانية، ولذا فالأمر ليس متعلقا بقدر تحرك العرض فقط بسبب الهجرة، بل أيضا بقدر تحرك الطلب.
وقدر تحركه يعتمد على تغير الظروف المؤثرة فيه. وقدر تحرك العرض يعتمد على مدى سهولة دخول الوافدين إلى العمل، وبقاء حجم اليد العاملة المحلية دون تغيير عددا ونوعا ممكن في الوقت القصير، وليس على المدى الطويل.
ما الذي يحدث لسعر سلعة مثلا الأجور مقابل العمل، لو زاد الطلب، وبقيت الأشياء الأخرى على حالها؟
سيكون هناك عجز، ما يضغط على الأسعار مثلا الأجور لترتفع، ويزيد من قدر المعروض، مثلا عدد الراغبين في العمل، حتى الوصول إلى نقطة توازن جديدة. وارتفاع أسعار المدخلات في جانب العرض كالأجور للعاملين يزيد من التكاليف التشغيلية.
وتبعا لذلك ترفع الشركات عادة أسعار منتجاتها. هل ترفعه بقدر ارتفاع التكاليف؟ هذا هو الأصل لكن الأمر يعتمد أيضا على ظروف وتفاصيل كثيرة.
وتطبيقا، لو زادت تكلفة الإنتاج 20 في المائة، هل يعني ذلك أن السعر سيزيد 20 في المائة؟ الجواب ليس بالضرورة، بل المتوقع عادة أن الزيادة في السعر أقل. لماذا؟ لتداخل عوامل أخرى في تحديد السعر.
مثلا هل زيادة التكاليف على بعض أو جميع المنشآت؟ وهل زادت عليهم بالنسبة نفسها؟ وهل توجد منافسة؟ ما قوة هذه المنافسة؟ هل توجد بدائل؟ ما طبيعة هذه البدائل، أو إلى أي حد يرى الناس أنها بدائل؟ ومثل مدى استمرار الطلب كما هو بعد تغير السعر وهكذا. وإذا توافرت بيانات / تقديرات مناسبة عن العرض والطلب فممكن قياس التأثيرات السابقة عبر ما يسمى المرونة المعبر عنها بالإنجليزية بـelasticity. وبالله التوفيق.
رائع د. صالح انا مستغرب انه في الثمانينات الميلادية ارتفع ت الفوائد الى 20 % ولم نعاني من التضخم مع انه عالي اذا ما المشكلة