أعلنت وزارة التجارة وهيئة السوق المالية بدء نفاذ نظام الشركات الجديد باللائحة التنفيذية له، ويأتي الإعلان المشترك بين الوزارة والهيئة إشارة ذات دلالة على مدى الانسجام في تطبيق نظام الشركات الجديد، وهناك عديد من القضايا التي تستحق النقاش بشأن هذا النظام، وبشأن التكامل، ولعل أهم نقطة أبدأ بها هي أن المرسوم الملكي رقم "م/132" وتاريخ 1443/12/1 الصادر بالموافقة على نظام الشركات الجديد، تضمن منح الشركات القائمة عند نفاذ النظام عامين من أجل تعديل أوضاعها وفقا لأحكامه، ومع ذلك فقد أوضحت وزارة التجارة وهيئة السوق المالية أن مدة تعديل الأوضاع لا تشمل الشركات الجديدة التي تؤسس بعد نفاذ النظام، بل ستسري عليها أحكام النظام كافة من تاريخ نفاذه، كما أن المدة لا تشمل ما قرره النظام من "جرائم" ومخالفات وما رتبه من عقوبات عند ارتكابها، بل ستسري بنفاذ النظام.
هنا يتطلب الأمر بعض النقاش، نظرا لأن هذه الأحكام تسري من اليوم فصاعدا، ولأن النظام عدها "جرائم" ونص على مراجع الحسابات ودوره فيها، لذلك يجب على المراجعين الأخذ في الحسبان هذه المسؤوليات الجنائية، فمثلا المادة "260" وصفت عقوبات لما سمته "الجرائم الجسيمة"، وهي ثلاث جرائم، أولها تسجيل بيانات أو معلومات كاذبة أو مضللة، والعقوبة هنا تشمل كل مسؤول أو عضو مجلس إدارة أو مراجع حسابات أو مصف، سواء كانت تلك البيانات في القوائم المالية أو خاصة بتخفيض رأسمال الشركة أو كفاية أصولها لسداد ديونها عند التصفية، وغيرها من التقارير والبيانات التي تعرض على الشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين وفقا لأحكام النظام، "ثانيا" الإغفال المتعمد لواقعة جوهرية بقصد إظهار المركز المالي للشركة بشكل مخالف للحقيقة، وهنا نجد أن إغفال البيانات يتساوى في الحكم والعقوبة مع تسجيل بيانات مضللة أو كاذبة، والعقوبات تشمل السجن ثلاثة أعوام والغرامة التي تصل إلى خمسة ملايين ريال.
يأتي "ثالثا" كل من يستعمل السلطات التي يتمتع بها أو الأصوات التي يحوزها ضد مصالح الشركة ولتحقيق أغراض شخصية، أو محاباة شركة أو شخص، أو الانتفاع من مشروع أو صفقة له فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، هنا نجد مصالح الشركة فوق الجميع حتى فوق مصالح الشركاء، ويشمل النظام هنا كل مصف يستعمل أموال الشركة أو أصولها أو حقوقها لدى الغير استعمالا يعلم أنه ضد مصالح الشركة، سواء كان ذلك لغرض الضرر بالشركاء أو المساهمين أو الدائنين، أو لتحقيق أغراض شخصية، أو الانتفاع من مشروع أو صفقة له فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، أو تفضيل دائن على آخر في استيفاء حقه دون سبب مشروع.
هذه "الجرائم الجسيمة" نجدها تتعلق بأمرين، الأول دقة البيانات والمعلومات، والثاني حماية مصالح الشركة. ونص النظام صراحة على مسؤولية مراجع الحسابات والمصفي، الذي يكون محاسبا في أغلب الأوقات، هذه المسؤوليات جسيمة جدا، ونافذة، وعلى المراجعين أخذ الأمور بجد، فقد توسعت المسؤولية الجنائية عليهم، نصت المادة "261" على ما سمته "الجرائم الأقل جسامة"، وهي "11" جريمة، أولها عدم تبليغ مراجع الحسابات عن المخالفات التي يكتشفها أثناء عمله، التي يبدو له أنها مخالفات جنائية، وكذلك عدم تبليغه عند علمه ببلوغ الخسائر الحدود المقدرة في النظام، وهذه النقطة مهمة جدا، ولي عودة إليها مرة أخرى، ومن "الجرائم الأقل جسامة" معرفة مراجع الحسابات بقرار توزيع أرباح أو عوائد بما يخالف أحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس ولم يبلغ عنها في تقريره، وفي هذا النص ما يجب اعتباره عند إعداد تقريره، ولعلها تكون محل نقاش في مقال منفصل.
ومن "الجرائم" استغلال أسرار ومعلومات الشركة، وهنا يوسع النظام المسؤوليات حتى تصل إلى الموظف العام الذي أفشى لغير الجهات المختصة أسرار الشركة التي اطلع عليها بحكم وظيفته، ومن "الجرائم" في هذا الجانب قيام المدير أو مسؤول أو عضو مجلس إدارة أو مراجع حسابات أو مصف، باستغلال أسرار الشركة بقصد الإضرار بها، وهكذا نجد أن كل هذه "الجرائم" تتعلق ببيانات الشركة ومعلوماتها، بل إن النظام عد المبالغة في البيانات والتقييمات "جريمة" سواء كانت تلك المبالغة فيما يخص تقييم الحصص العينية أو توزيع الحصص بين الشركاء أو الأسهم بين المساهمين، أو الكذب بشأن الوفاء بكامل قيمتها، وسواء كان ذلك عند تأسيس الشركة أو عند زيادة رأس المال أو عند تعديل توزيع الحصص بين الشركاء أو الأسهم بين المساهمين، وبالعودة إلى مصالح الشركة فإن من "الجرائم الأقل جسامة" الحصول على مقابل للتصويت من أجل الإضرار بمصالح الشركة. ومن "الجرائم" نشر أسماء لأشخاص واعتبارهم مرتبطين بالشركة، خلافا للحقيقة، من المهم للمراجعين معرفة أن من "الجرائم الأقل جسامة" الإعاقة عن عمد لعمل الذين لهم الحق ــ بحكم النظام ــ في الاطلاع على أوراق الشركة ومستنداتها وحساباتها وسجلاتها ووثائقها، أو تسبب في ذلك، أو امتنع عن تمكينهم من أداء عملهم، وهذا تغيير كبير جدا في علاقة المراجع بالعميل، فالمسألة لم تعد مجرد رأي متحفظ، بل هناك عقوبات لذلك الفعل.
في المادة "262" نص النظام على عدة "مخالفات" ولم يعدها "جرائم"، من بينها كل من أخل بأداء واجبه في الاحتفاظ بالسجلات المحاسبية للشركة والمستندات المؤيدة لها، لتوضيح أعمالها وعقودها، أو في إعداد القوائم المالية وفق المعايير المحاسبية المعتمدة في المملكة أو إيداعها وفقا لأحكام النظام، وكذلك كل من أهمل في أداء واجبه في تزويد الجهة المختصة بالوثائق المنصوص عليها في النظام، ومنها أيضا كل من قبل القيام بأعمال مراجع الحسابات أو استمر في مزاولتها مع علمه بوجود الأسباب التي تمنع قيامه بتلك الأعمال وفقا لأحكام النظام، وكل من أهمل في اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة لمعالجة المخالفة المرتكبة بعد إبلاغه بها وفقا لأحكام النظام، ومنها أيضا كل مراجع حسابات لم يقم بواجباته المنصوص عليها في النظام.
من الواضح جدا في هذه النصوص الصريحة أن مسألة سلامة البيانات والمعلومات ومصلحة الشركة تعدان قضيتين محوريتين في نظام الشركات الجديد، وأن المسؤولية الجنائية عند التلاعب في البيانات متعدية، فليست محصورة فيمن أعد تلك البيانات المضللة، بل كل من اطلع عليها وعلم بها ولم يبلغ عنها، كما أن النظام يوسع بشكل جذري مسؤولية مراجع الحسابات في السعودية خارج إطار القوائم المالية.
نقلا عن الاقتصادية