التوطين والبطالة .. تحديات العام الراهن

04/01/2023 4
عبد الحميد العمري

استقر معدل البطالة للمواطنين بنهاية الربع الثالث من 2022 عند 9.9 في المائة، مقارنة بمستواه في نهاية الربع الثاني من العام نفسه البالغ 9.7 في المائة، وبلغ معدل البطالة للإناث 20.5 في المائة بعدما كان 19.3 في المائة بنهاية الربع الثاني، وبالمقابل تراجع المعدل للذكور من 4.7 إلى 4.3 في المائة للفترة نفسها، ويعزى ذلك إلى زيادة أعداد المشتركين الجدد في التأمينات الاجتماعية من العمالة الذكور خلال الربع الثالث بأكثر من 186.3 ألف عامل، مقابل توقف اشتراك 45.5 ألف عامل من الذكور السعوديين، ليستقر صافي الزيادة في أعدادهم خلال الربع الثالث عند نحو 140.9 ألف عامل.

بينما وصلت الزيادة في أعداد المشتركات الجدد من العمالة الإناث السعوديات للفترة نفسها إلى نحو 148.9 ألف عاملة، مقابل توقف اشتراك 44.8 ألف عاملة، استقر على أثره صافي الزيادة خلال الربع الثالث عند نحو 104.1 ألف عاملة.

في المجمل، جاءت نتائج جهود التوطين والحد من البطالة في صفوف الموارد البشرية المواطنة طوال الأشهر التسعة من 2022 مثالية مقارنة بالأعوام الماضية، قياسا إلى تراجع معدل البطالة من 11.0 في المائة بنهاية 2021 إلى 9.9 في المائة بنهاية الربع الثالث من 2022، اقترن هذا التحسن بزيادة إجمالي أعداد المشتركين الجدد من المواطنين ذكورا وإناثا خلال الفترة نفسها بأكثر من 688.0 ألف عامل، مقابل توقف اشتراك 371.6 ألف عامل، ليستقر صافي الزيادة خلال الفترة عند أكثر من 316.3 ألف عامل ذكورا وإناثا، واستقر مع هذه التطورات معدل التوطين في القطاع الخاص عند أعلى من 23.0 في المائة.

بالنظر إلى التحديات المقبلة على الاقتصاد العالمي، وتوقعات دخوله معترك الركود حسب أغلب التوقعات الدولية، وتوقعات أن يتباطأ النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني مقارنة بأرقامه القياسية خلال العام الماضي، فإن الجهود اللازمة للإسراع بنمو معدلات التوظيف والتوطين محليا تكتسب أهمية أكبر مما سبق بذله طوال العامين الماضيين، وأن تبدأ في اتباع منهجية أكثر ديناميكية وفاعلية مع القطاع الخاص.

ذلك أنه خلال فترة الأشهر التسعة من 2022 بما حملته من مؤشرات أداء مثالية صبت في مصلحة الموارد البشرية المواطنة، إلا أن القطاع الخاص ذهب بعيدا في زيادة اعتماده على العمالة الوافدة، حيث ارتفع صافي الزيادة - زيادة الاشتراك مخصوما منه توقف الاشتراك - خلال الأشهر التسعة من 2022 إلى نحو 1.7 مليون عامل، أي: بأكثر من 5.3 ضعف الزيادة المماثلة في صفوف العمالة المواطنة، ما يقتضي بالضرورة العمل مجددا على إعادة تقييم البرامج والمبادرات الراهنة المتعلقة بالتوطين من جانب، ومن جانب آخر النظر في تدشين برامج أكثر كفاءة ترغم منشآت القطاع الخاص على زيادة الاعتماد على الموارد البشرية المواطنة، وتخفف في الوقت ذاته الاعتماد المرتفع بصورته الراهنة على العمالة الوافدة، التي تؤكد النتائج الفعلية المتحققة خلال الأشهر التسعة من 2022 أنها عادت إلى وتيرة متصاعدة وقوية.

يجب أن يتم عكس أغلب مكتسبات النمو الاقتصادي المتسارع الذي يتمتع به الاقتصاد الوطني خلال الفترة الراهنة، على نمو التوطين وتوظيف الموارد البشرية المواطنة، والتأكيد أن مسار تحقق هذا الهدف الاستراتيجي يبدأ من تنفيذ برامج ومبادرات توطين تتمتع بالكفاءة الأعلى من كل ما تقدم إقراره وتنفيذه طوال العامين الأخيرين، ولعل من أهم ما يجب أن تتسم به خلال العامين 2023 و2024 على أقل تقدير أن يتم تضييق المرونة التي لدى القطاع الخاص في الاعتماد على العمالة الوافدة التي سمحت له بتوفير أكثر من مليوني وظيفة جديدة أمام العمالة الوافدة خلال الأشهر التسعة من 2022 - ممثلا في زيادة اشتراك العمالة الجدد في التأمينات الاجتماعية - مقارنة بنحو 688.0 ألف وظيفة جديدة التي وفرها أمام الموارد البشرية المواطنة خلال الفترة نفسها.

لا بد من التأكيد على أهمية المنجز المتحقق خلال العام ونصف العام الماضي على طريق برامج التوطين والمبادرات المقترنة به، وأنها نجحت في رفع معدلات التوطين من 22.6 في المائة نهاية الربع الثاني 2021 إلى أن وصلت بها إلى أعلى من 23.0 في المائة بنهاية الربع الثالث 2022 ويؤمل أن تحافظ على تلك المستويات وأعلى منها بصدور بيانات نهاية العام الماضي، وأنها نجحت أيضا في خفض معدل البطالة خلال الفترة نفسها من 11.3 إلى 9.9 في المائة، إلا أن المأمول في خضم التحديات المتوقع أن يشهدها الاقتصاد العالمي والمحلي كجزء من الاقتصاد العالمي، وبما أصبح يمثله من وزن حقيقي في التجارة والاستثمار الدوليين، وتوقعات تراجع معدلات النمو الحقيقي خلال العامين 2023 و2024 عن مستوياته القياسية التي نجح في تحقيقها خلال 2022، كل هذا يدفع إلى أهمية الاندفاع نحو برامج توطين تتمتع بمزيد من التأثير في القطاع الخاص، توسع من جانب قنوات التوطين وتوظيف الموارد البشرية المواطنة، ومن جانب آخر تعمل على تضييق خيارات الاستقدام والاعتماد المفرط على العمالة الوافدة، وهو الأمر الذي لا بد أن يدركه القطاع الخاص ويؤكد التزامه به في مجال توفيره الوظائف وفرص العمل، وأن عليه مسؤوليات ثقيلة الحجم تجاه زيادة إسهامه في توطين وظائفه، في الوقت نفسه الذي يجد كل برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030 تقوم على تحفيزه والدفع بزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي، وهو مجال لم ولن ينفك الحديث عنه ومناقشته مع أرباب القطاع الخاص منذ عقود طويلة، وازداد النقاش حوله منذ بدأ الاقتصاد الوطني رحلته الطموحة تحت مظلة رؤيته الاستراتيجية 2030.

 

 

نقلا عن الاقتصادية