سعادة المدير .. كن قريبا منهم

02/01/2023 0
عبد الحميد العمري

مع كل نهاية عام وبداية عام جديد، ترتقب الموارد البشرية في مختلف بيئات العمل نتائج تقييم أدائها السنوي من قبل المستويات الإدارية الأعلى، وتتسم تلك النتائج بأهمية أكبر لارتباطها بالعلاوات والمكافآت السنوية.

ومن التجارب التي اعتاد الجميع عليها في هذا الشأن، أن جزءا أكبر من عدم الرضا من قبل الموارد البشرية العاملة هو المنتشر، لجزء منه ما يبرر عدم الرضا الوظيفي وهو موضوع المقال هنا، وجزء آخر لا مبرر للموظف يشفع له بعدم قبول نتائج تقييم جهوده وإنتاجيته طوال العام الماضي، وعوضا عن إهدار وقته ووقت العاملين معه في النقاش والاعتراض على حصاد عمله السنوي، سيكون الأولى أن يعود إلى نفسه بالمراجعة والتدقيق في الأسباب التي أدت به إلى هذه النتيجة غير المرضية.

أما بالنسبة إلى من تؤكد جهوده طوال العام الماضي أنه يستحق أكثر مما حصل عليه من تقييم، فهذا مجال النقاش هنا! وهو أيضا المجال الذي لا يتوقع أن يصل إلى نهاية محددة، يترتب عليها انتهاء هذه الجدلية بين الموظف ورئيسه، التي يمتد ويتكرر الحديث حولها، على أمل الحد من ظاهرة انتشارها وتقليصها إلى أدنى مستوى لها في الأجل الطويل، خاصة مع زيادة تدخل العامل التقني في تسيير أغلب الوظائف والمهام العملية، التي تساعد على التعرف أكثر على الجهود الفعلية التي تم بذلها من قبل الموظفين أثناء الفترة الزمنية المراد تقييمها.

تبدأ المعالجة في هذا الشأن من الموظف! الذي لا شك أنه يتمتع إلى جانب ارتفاع كفاءته وإنتاجيته بالذكاء الإنساني قبل المهني، فيتجنب الصدام المباشر مع المستويات الإدارية الأعلى منه، ويتجنب أيضا حتى النقاش مباشرة مع مديره أو رئيسه في العمل بمجرد صدور تقييم أدائه الوظيفي، حتى مهما كان هذا النقاش مشبعا بالهدوء وعدم الانفعال وارتفاع الأصوات أو كثرة المخاطبات الإلكترونية بينه وبين مديره المباشر! فيمنح عقله الوقت الكافي للتفكير والمراجعة ومنهجية التواصل مع مديره، واستحضار ما يلزم من أدلة وإثباتات تؤكد صحة ومتانة رأيه تجاه تقييمه السنوي، ولهذا بالتأكيد ميزة مهمة للموظف مقابل مديره المباشر، لعل أهم ما يجدر ذكره في هذا السياق أنها ستوفر له مزيدا من العمق في التفكير بعيدا عن أي انفعالات أو أي تصرفات أو عبارات خارج السيطرة، وتمنحه الوقت اللازم لإعداد وترتيب أفكاره في سياق مسعاه نحو هدفه النهائي باسترداد ما يعتقد قناعة منه أنه الأحق والأجدر به.

ثانيا، بما أن هذا الموظف يتمتع بالكفاءة والإنتاجية العالية، فسرعان ما ستأتي اللحظة التي يثبت مجددا هذه الجوانب الإيجابية فيه، وذلك عند وفائه بإنجاز مهام عملية جديدة، وسماعه الإشادة من مديره أو رئيسه المباشر.

هنا تأتي الفرصة الأكثر مناسبة لطرح عدم رضائه عن نتائج تقييمه السنوي، وإقرانها بالشواهد والإثباتات اللازمة، وأن تتم هذه الخطوات عبر القنوات الرسمية في بيئة العمل، وبلغة بالغة الهدوء والثقة بالنفس والمختصرة جدا بما لا يشتت تفكير المتلقي، وهنا ينتهي دور ومسؤولية الموظف باختصار شديد، والعودة مباشرة إلى أداء مهامه الوظيفية على الوجه الأكمل، وتجنب متابعة ما إذا رد مديره أو رئيسه على خطابه أو لم يرد! كما أن عليه تجنب مشاركة الحديث عن هذا الأمر مع بقية زملائه في بيئة العمل.

نأتي الآن إلى المدير أو الرئيس المباشر الذي قام بتقييم موظفيه، وعلى افتراض أنه بذل العناية القصوى للوصول إلى أدق مستوى من التقييم لجميع الموظفين العاملين تحت إدارته، ورغم ذلك فلا يمنع من ظهور بعض مؤشرات عدم القبول أو عدم الرضا من قبل موظفيه، وهنا يأتي دور ذكاء وخبرة ومهارة هذا المدير أو الرئيس في التعامل مع ردة الفعل المعاكسة من قبل الموظفين تجاه نتائج التقييم السنوي.

يجدر في البداية أن يعي المدير أو الرئيس ثقل الأمانة التي تحملها، وأنه أولا وآخرا مساءل يوم الحساب أمام رب العباد.

ثانيا يفترض أن يقترب بأكبر قدر ممكن من الموظفين تحت إدارته، ويكون على اطلاع بالقدر الكافي على أهم ظروف وسمات حياتهم داخل العمل وخارجه، ودون تجاوز حدود الخصوصية التي يحق للموظف الاحتفاظ بها.

سيؤدي توافر هذه المعرفة لدى المدير إلى دقة أعلى على مستوى نظرة تقييمه للموظف المعني، والوقوف من ثم على أرض صلبة تجاه كل موظف لديه، تتيح له فهم لماذا هذا الموظف أو غيره لم يصل بإنتاجيته إلى المستوى المستهدف؟ فقد يحدث هذا الأمر لموظفين اثنين، لكن لاختلاف الظروف التي يمر بها كل موظف على خلاف بقية الموظفين، سيتفهم المدير أو الرئيس حينها وتزداد الصورة وضوحا، ولعله يكون من الأسباب التي ستؤدي إلى تحقيق تقييم أكثر دقة.

إن انكفاء المدير أو الرئيس على نفسه داخل بيئة مكتبه المعزولة عن بقية الإدارة أو بيئة العمل التي يشرف عليها، قد يمنحه هدوءا لفترات قصيرة، سرعان ما سيتحول إلى ضوضاء وكثافة في المناقشات والجدالات التي لا طائل منها، وهي النتائج والآثار التي كان بالإمكان تجنبها إلى حد بعيد، لو أن جسورا راسخة من التواصل الوثيق كانت موجودة بينه وبين أولئك الموظفين، وهو في الختام الأمر - وفقا للتجارب - الذي متى ما تحقق في أي بيئة عمل كانت، فإنه العامل الأكبر في الحد من ضوضاء بيئات العمل واتساع حالات عدم الرضا الوظيفي، والأهم من كل ذلك بالنسبة إلى المدير أو الرئيس، أنه الطرف الرابح الأكبر!

 

 

نقلا عن الاقتصادية