ارتفاع عرض النقود مع نقص في السيولة

18/12/2022 6
د. فهد الحويماني

تواردت أنباء في الأيام القليلة الماضية عن وجود نقص في السيولة لدى البنوك التجارية في المملكة، وأن ذلك أمر يتطلب تدخل البنك المركزي لمعالجة هذا النقص الذي أدى إلى ارتفاع معدل الاقتراض بين البنوك في المملكة "سايبور" إلى نحو 6 في المائة، بفارق كبير عن نظيره الدولي، معدل "لايبور".

ما حقيقة نقص السيولة لدى البنوك؟ وكيف يتم التعامل مع مثل هذه الحالات؟

تقاس السيولة البنكية بمؤشرات نقدية ترصد حجم الأموال في عدة مستويات، فيأتي العرض النقدي الشامل "ن 3" ليعبر عن إجمالي السيولة النقدية الذي تبلغ قيمته حاليا كما بنهاية أكتوبر 2022، 2.47 تريليون ريال، مرتفعا عن بداية العام بنحو 7.7 في المائة، لذا فلا يوجد نقص في السيولة بهذا المفهوم الشامل.

حتى لو نظرنا إلى التغيرات الشهرية منذ بداية العام للعرض النقدي "ن 3" أو "ن 2" فسنجد كذلك أن مستوى السيولة النقدية على ارتفاع شهري متواصل، لذا فمشكلة السيولة ليست في نقص العرض النقدي، بل في نقص السيولة لدى البنوك، وهنا اختلاف مهم في المفهوم.

لمعرفة طبيعة نقص السيولة علينا أن نتذكر أن العرض النقدي "ن 2" عبارة عن مجموع النقد المتداول خارج المصارف، وهذا الجزء من "ن 2" يمثل أقل من 9 في المائة، ثم تأتي الودائع تحت الطلب ونسبتها عادة في حدود 65 في المائة من "ن 2"، وأخيرا تأتي الودائع الزمنية والادخارية بنحو 25 في المائة. ولو نظرنا إلى حجم الودائع تحت الطلب منذ بداية العام إلى أكتوبر 2022، فسنجد أنها انخفضت بنسبة 1 في المائة، وفي الوقت نفسه نجد الودائع الزمنية والادخارية ارتفعت بنسبة 25 في المائة.

لذا لا يوجد تغير في العرض النقدي في حد ذاته بل فقط هناك انتقال أموال من الودائع الجارية إلى الادخارية، الذي يؤدي إلى نقص الأموال المتاحة للبنوك للقيام بعمليات الإقراض للعملاء كأفراد أو شركات.

ولا نعلم عن حالة السيولة في شهر نوفمبر لكن من المرجح أن نقص السيولة في تزايد، ما أدى إلى الارتفاع الكبير في معدل "سايبور". أما سبب اتجاه الأموال إلى الودائع الادخارية فهو ارتفاع معدل العوائد على الادخار المضمون الذي كان لفترات طويلة في حدود نصف نقطة مئوية لمدة عام، ورغم وجود عوائد أعلى في وسائل مالية أخرى، كالسندات والصكوك، إلا أن الودائع الادخارية تتميز بقصر مدتها والمرونة في التخلص منها عند الحاجة وهو ما يسعى إليه بعض المستثمرين.

أكد وزير المالية أن هذه المشكلة مؤقتة وأن سببها التقلبات الحادة في الأسواق وأنه ليس قلقا بشأنها مشيرا إلى أن لدى البنك المركزي الوسائل اللازمة للتصدي لها، فما هذه الوسائل؟

أهم وسيلة متاحة للبنوك التجارية للحصول على السيولة المؤقتة تتم من خلال اتفاقيات إعادة الشراء - الريبو - مع البنك المركزي، وهي عبارة عن آلية تسمح للبنوك بالاقتراض من الاحتياطيات النقدية الخاصة بالبنوك والمودعة لدى البنك المركزي، أي إن البنوك تقترض من بعضها بعضا عن طريق البنك المركزي بتكلفة يحددها البنك المركزي، وهي حاليا 5 في المائة.

لماذا لم يقم مصرف الراجحي بالاقتراض بهذه الطريقة بدلا من طرح صكوك تكلفتها على البنك 5.5 في المائة، لا سيما أن تكلفة اتفاقية إعادة الشراء في ذاك الوقت كانت أقل من 5 في المائة؟

مدة الاقتراض عن طريق آلية اتفاقية إعادة الشراء قصيرة ولا تتوافر أموال بكميات كبيرة والاقتراض بهذا الشكل يتطلب تقديم ضمانات، إلى جانب أن البنك المركزي لا يشجع على الاعتماد على هذه الآلية كثيرا، لذا تلجأ البنوك إلى الاقتراض فيما بينها بتكلفة "سايبور". معدل "سايبور" هذا شبيه بمعدل "لايبور" الذي تستخدمه البنوك الدولية في لندن للاقتراض فيما بينها، وتتحدد تكلفته من خلال العرض والطلب بين البنوك.

ومن المفترض أن تكون تكلفة "سايبور" قريبة لتكلفة "لايبور" إلا أنه بسبب نقص السيولة الكبير وحاجة البنوك إلى تغطية مراكزها المالية والتقيد بضوابط البنك المركزي وما عليها من التزامات أصبح هناك تنافس بين البنوك للحصول على السيولة ما أدى إلى ارتفاع معدل سايبور بشكل كبير.

معدل اتفاقية إعادة الشراء يعمل بأسلوب شبيه بمعدل التمويل الفيدرالي في الولايات المتحدة، وهو معدل الفائدة الذي دوما نسمع عنه في اجتماعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو المعدل الذي تم رفعه هذا الأسبوع بمقدار 50 نقطة أساس، بعد أن تم رفعه أربع مرات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس.

وفي الولايات المتحدة لا يستخدم معدل "لايبور"، خصوصا بعد سلسلة من الفضائح المتعلقة بطريقة حسابه وتعرضه لحالات فساد كثيرة، وسيوقف العمل به العام المقبل ويستخدم بدلا عنه معدل جديد اسمه "سوفر".

تقاس السيولة في البلاد بعرض النقود الشامل "ن 3" وهو كبير في المملكة، تجاوز تريليون ريال في 2009، وتجاوز تريليوني ريال في أول 2020، وهو الآن يقارب 2.5 تريليون ريال، ويحسب بجمع النقد المتداول خارج المصارف والودائع تحت الطلب والودائع الزمنية والادخارية، إضافة إلى أصناف أخرى من الودائع مثل الودائع بالعملات الأجنبية والودائع المتعلقة بالاعتمادات المستندية لدى البنوك.

 

نقلا عن الاقتصادية