«أوبك +» تبقي على مستويات الإنتاج لقراءة المشهد

15/12/2022 0
د. نعمت أبو الصوف

في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) احتفلت "أوبك +" بالذكرى السنوية السادسة لإعلان التعاون التاريخي للمجموعة، الذي تم التوقيع عليه في اجتماعها الوزاري الأول في التاريخ نفسه من 2016.

على مدى الأعوام الستة الماضية، أسهم هذا التحالف في تأمين استقرار مستدام لسوق النفط من خلال التعاون والحوار لمصلحة جميع المنتجين والمستهلكين والمستثمرين وكذلك الاقتصاد العالمي. وفي اجتماعها الأخير، قررت المجموعة الإبقاء على الإنتاج عند المستويات الحالية لمدة شهرين آخرين على الأقل.

حسب المحللين لم يسفر هذا الاجتماع عن أي مفاجآت. كما هو الحال دائما، قبل اجتماع المجموعة كانت هناك توقعات متناقضة، وكان أبرزها هذه المرة صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي ذكرت أن اجتماع "أوبك +" في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) سيناقش زيادة الإنتاج بواقع يصل إلى 500 ألف برميل يوميا.

لكن، المملكة وغيرها من الدول الأعضاء سارعت إلى نفي هذه الأخبار، حيث صرح الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة بعبارات لا لبس فيها، أن "الخفض الحالي لمليوني برميل يوميا من قبل (أوبك +) سيستمر حتى نهاية 2023، وإذا دعت الحاجة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات بخفض الإنتاج لإعادة التوازن بين العرض والطلب، فنحن دائما على استعداد للتدخل".

ثم كانت هناك تقارير أخرى عن احتمال تعميق تخفيضات الإنتاج إذا ظلت أسعار النفط ضعيفة في مواجهة تباطؤ الاقتصاد العالمي، خاصة في بعض أكبر مستهلكي النفط في العالم.

لكن في النهاية، فعلت "أوبك +" ما قالت إنها ستفعله، متمسكة بمستويات إنتاجها الحالية مع التركيز على التطورات طويلة الأجل، مثل تباطؤ الاقتصاد، وتخفيف قيود كورونا في الصين، وبالطبع، أحدث العقوبات الغربية على النفط الروسي.

في هذا الجانب، أشارت بعض التقارير إلى أن المجموعة قد تعمل على زيادة الإنتاج للتعويض عن الإمدادات المفقودة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا. لكن، روسيا قالت مرارا إنها لن تصدر النفط إلى دول تفرض سقفا للسعر يبلغ 60 دولارا للبرميل، ما أثار مخاوف من توقف قدر كبير من الإنتاج.

قد يؤدي فقدان النفط الروسي إلى مزيد من التشدد في الإمدادات العالمية، وبالتالي ارتفاع الأسعار - وهي ضربة يصعب على الاقتصادات الضعيفة حاليا تحملها.

هذا بالتأكيد احتمال قائم، لكن يبدو أن "أوبك +" لم تكن في عجلة من أمرها لتوقعه. في الواقع، تشير معظم الأخبار إلى أن المجموعة من المرجح أكثر أن تخفض من أن تزيد الإنتاج.

في الوقت الحالي، يبدو أن السوق غير متأثرة بسقف الأسعار. حيث، انخفضت فعليا أسعار برنت وغرب تكساس الوسيط منذ أوائل الأسبوع الماضي عندما دفعهما دخول الحد الأقصى لأسعار الخام الروسي حيز التنفيذ لبعض الوقت إلى الارتفاع.

وانخفضت أيضا أسعار مزيج خام الأورال، وهو مزيج رئيس للنفط الروسي، بعد أن ارتفع إلى 79 دولارا للبرميل بداية الأسبوع الماضي. يتم تداوله الآن عند مستوى 63 دولارا للبرميل - قريب لكن أعلى من سقف السعر المحدد.

ومع ذلك، من السابق لأوانه التوصل إلى أي استنتاجات طويلة المدى بناء على ذلك. على الرغم من أن المحللين يعتقدون على ما يبدو أنه ستتم ببساطة إعادة توجيه النفط الروسي إلى آسيا، إلا أن هذا يعني الطلب على مزيد من الناقلات، وتغييرا في إجراءات التأمين والدفع، لتجنب مزودي الخدمات الغربيين الذين يهيمنون على هذه الأسواق.

في حين أن هذه التطورات قد تكون صعودية للأسعار، لا يزال التباطؤ العالمي مصدر قلق لـ "أوبك +". يبدو أن البنوك المركزية مصممة على التمسك بمسارها المتشدد مهما كلف ذلك الاقتصاد، وأزمة الطاقة في أوروبا. لذلك لا يوجد شيء أكثر منطقي بالنسبة إلى "أوبك +" أن تفعله من الانتظار لترى ما سيحدث بعد ذلك.

الاجتماع التالي المقرر للمجموعة هو اجتماع لجنة المراقبة في الأول من شباط (فبراير)، ما يعني أنه باستثناء بعض التطورات غير العادية، هدف الإنتاج الحالي سيظل ثابتا لعدة أشهر.

حاليا، هناك عديد من العوامل التي توجد حالة من عدم اليقين في أسواق النفط العالمية، ومن المرجح أن يدفع بعضها الأسعار ويسحبها في اتجاهات معاكسة.

من هذه العوامل سقف الأسعار وحظر الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام الروسي.

تختلف التقديرات فيما يتعلق بمدى التأثير، حيث يقول بعض المحللين إن ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا من الخام الروسي يمكن أن تخرج من السوق العالمية.

ومع ذلك، التجار الفعليون أقل قلقا بكثير، معتقدين أن السوق ستكون قادرة على إعادة توجيه معظم الخام الروسي والتغلب على العقوبات.

على الرغم من أن وضع الإمدادات الروسية يحتمل أن يكون صعوديا بالنسبة إلى الأسعار، إلا أن الحالة الضعيفة للاقتصاد العالمي وعدم اليقين بشأن ما إذا كانت الصين ستنجح في تحفيز اقتصادها هي عوامل هبوطية. في حين أن هناك أدلة متزايدة على تباطؤ النمو العالمي، إلا أنه لا يزال من غير المؤكد أن الركود العالمي أمر لا مفر منه.

الصين تمثل عامل عدم يقين آخر. في الأشهر الأخيرة، انتعشت شهية الصين لواردات النفط الخام بعد بداية ضعيفة في النصف الأول من 2022، لكن هذا يرجع أساسا إلى أن الصين أصدرت مزيدا من الحصص لصادرات المنتجات المكررة، ولأن مصفاتين جديدتين قد بدأتا العمل، وليس علامة على زيادة الطلب المحلي.

يعد النمو الاقتصادي الأقوى وتخفيف قيود كورونا في الصين صعوديا للطلب على النفط الخام، لكن لم يتم تأكيد أي منهما ولا تزال التوقعات غير مؤكدة.

لا يزال إنتاج "أوبك +" الفعلي أقل من الحصص المتفق عليها. ومع ذلك، يبدو أن هذا لم يؤثر في الأسعار، على الرغم من أنه يشير إلى تشدد مزمن في إمدادات النفط العالمية.

في تشرين الثاني (نوفمبر)، تراجع إنتاج الدول العشر الأعضاء في "أوبك" الخاضعة لحصص الإنتاج بنحو 800 ألف برميل يوميا عن المستوى المستهدف، حيث ضخت نحو 25.42 مليون برميل يوميا، وفقا لمسح أجرته "رويترز".

على الرغم من حالة عدم اليقين من هذه العوامل، لا يزال بعض المحللين يتوقع أن يصل سعر خام برنت إلى 100 دولار قبل نهاية العام نتيجة العقوبات الغربية ضد روسيا. لكن، مع وجود عاملين هبوطيين قويين - احتمالية حدوث ركود واسع النطاق، وصراع الصين المستمر مع جائحة كورونا - يبقى توقع أسعار النفط مجرد تخمين.

لذلك "أوبك +" ليست في عجلة من أمرها لفعل أي شيء حيال ذلك حتى يتوجب عليها ذلك. عموما، إنها الآن لعبة انتظار لـ "أوبك +" ولأسواق النفط العالمية لمعرفة كيف سينتهي المطاف بأوجه عدم اليقين المختلفة.

 

 

نقلا عن الاقتصادية