سيعلن اليوم - بمشيئة الله تعالى - مجلس الوزراء في جلسته إقرار الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 2023، والميزانية الفعلية للعام المالي الجاري 2022، والمقدر وفقا لبيانات وزارة المالية أن تسفر عن تحقيق الفائض المالي الأول لها منذ العام المالي 2013 بنحو 90 مليار ريال، علما أن أداء المالية العامة خلال الثلاثة أرباع الماضية من العام الجاري، أظهر ارتفاع حجم إجمالي الإيرادات بـ36.5 في المائة إلى 950.2 مليار ريال، مقارنة بـالفترة نفسها من العام الماضي البالغ 696.2 مليار ريال، مدفوعة بالارتفاع القياسي في الإيرادات النفطية بنحو 67.2 في المائة إلى 663.1 مليار ريال، مقارنة بحجمها خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي البالغ 396.7 مليار ريال، وانخفاضها بنسبة لم تتجاوز 4.2 في المائة للإيرادات غير النفطية إلى 287.1 مليار ريال، مقارنة بنحو 299.5 مليار ريال التي سجلتها خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
أما على جانب النفقات الحكومية، فقد وصل إجمالي حجمها خلال الثلاثة أرباع الماضية من العام المالي الجاري إلى نحو 800.7 مليار ريال، وسجلت نموا سنويا بلغ 14.1 في المائة، مقارنة بـحجمها خلال الفترة نفسها من العام الماضي البالغ 701.6 مليار ريال، مدفوعة بالنمو القياسي في الإنفاق الرأسمالي على المشاريع بنحو 42.6 في المائة، وصلت من خلاله إلى نحو 91.3 مليار ريال، مقارنة بنحو 64.0 مليار ريال عن الفترة نفسها من العام المالي الماضي، كما ارتفعت المصروفات الجارية عن الفترة نفسها بـ11.3 في المائة إلى نحو 709.4 مليار ريال، مقارنة بنحو 637.6 مليار ريال تم إنفاقها خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي.
أثمرت السياسة المالية خلال الثلاثة أرباع الماضية عن تحقق فائض مالي قياسي وصل حجمه إلى أعلى من 149.5 مليار ريال، وقدرت وزارة المالية باستقراره مع نهاية العام المالي الجاري عند مستوى 90 مليار ريال، قياسا على تقديراتها بتراجع الإيرادات النفطية وارتفاع بعض بنود الإنفاق الحكومي خلال الربع الأخير الراهن من العام المالي الجاري، التزاما من المالية العامة بتوفير التحفيزات المالية اللازمة لاستمرار النمو الاقتصادي والمحافظة على وتيرته القياسية الراهنة، الذي وصل إلى معدل نموه الحقيقي إلى 8.6 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، وبلغ للقطاع الخاص نحو 5.8 في المائة، جعلته من أسرع الاقتصادات نموا خلال العام الجاري، وتوجيه الموارد المالية اللازمة عبر الإنفاق الرأسمالي على المشاريع والمبادرات الحكومية العملاقة، التي تلبي احتياجات الاقتصاد الوطني ضمن البرامج التنفيذية الطموحة لرؤية المملكة 2030، وتسهم في زيادة إيجاد آلاف الفرص الوظيفية في سوق العمل المحلية أمام الموارد البشرية المواطنة، الذي ظهرت نتائجه الفعلية خلال الفترة الماضية عبر انخفاض معدل البطالة بين المواطنين للربع الثامن على التوالي إلى 9.7 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري "4.7 في المائة للذكور، 19.3 في المائة للإناث"، كأدنى معدل بطالة بين المواطنين خلال 20 عاما مضت "منذ 2002".
وتم إنجاز كل تلك المستهدفات في ظل سيطرة ملموسة على معدل التضخم "3.0 في المائة"، الذي جاء الأدنى ضمن مجموعة دول العشرين، والأدنى بالتأكيد مقارنة بـالموجة القياسية للتضخم خلال أكثر من أربعة عقود زمنية مضت في أغلب الاقتصادات حول العالم. وللمحافظة على تلك الإنجازات والدفع بها إلى مستويات أعلى، حسبما أورده البيان التمهيدي الأخير، تأكيدا على اضطلاع السياسة المالية بالإنفاق الحكومي الرشيد الذي يلبي احتياجات الاقتصاد الوطني، إضافة إلى الاعتماد على صندوق الاستثمارات العامة وأدواره التنموية المهمة، الذي زاد بدوره من الاستثمارات الاستراتيجية في عدة مجالات وقطاعات واعدة للاقتصاد ولبيئة الاستثمار المحلية.
يتوقع بنسبة كبيرة أن يأتي إعلان الميزانية اليوم - بمشيئة الله تعالى -، مؤكدا استمرار الالتزام التام باستهداف الحكومة لاستكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها في ظل رؤية 2030 والمحافظة على الاستدامة المالية، بما تضمنته من تبني سياسات مالية تسهم في الحفاظ على الاستدامة المالية، وتطوير إدارة المالية العامة ورفع جودة التخطيط المالي لتعزيز النمو الاقتصادي والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد.
أما في الأجل المتوسط، فتستهدف السياسة المالية تقوية المركز المالي للمملكة، الذي يعزز من قدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية المحتملة، بالمحافظة على مستويات الاحتياطيات الحكومية عند مستويات مناسبة، واستدامة مؤشرات الدين العام. يمكن التأكيد أن ميزانيـة العام المالي المقبل، عكست بدرجة عالية جدا درجات التقدم في تنفيذ البرامج والمشاريع الداعمة للنمو والتنوع الاقتصادي، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز برامج أنظمة الرعاية والحماية الاجتماعية، مع الحفاظ على المكتسبات التي تحققت طوال الأعوام الماضية على جانب المالية العامة.
ختاما، في ظل المرحلة الأكثر ضبابية في التاريخ المعاصر للاقتصاد العالمي، وما يواجهه من تحديات جسيمة على المستويات كافة، ظهرت نتائجها العكسية على أغلب الاقتصادات حول العالم، وانعكست سلبيا على عموم الأسواق والتجارة العالمية، تبرز المملكة وسط هذه الأجواء العالمية غير المواتية كأحد أهم وأسرع الاقتصادات نموا وأكثرها استقرارا بفضل الله، ثم بفضل السياسات والبرامج التي أوجدتها رؤية المملكة 2030 والتزمت بها طوال الأعوام الماضية، كان من ثمارها ونتائجها الإيجابية ما أصبحت تحظى به خلال الفترة الراهنة من استقرار وطيد، وقدرة عالية على التكيف والتعامل مع المتغيرات الدولية غير المستقرة، بل أصبحت الشريك الاقتصادي والاستثماري والتجاري الذي يبحث عنه أغلب الاقتصادات حول العالم، وكل هذا مما يبعث، بفضل الله، على مزيد من الثقة بالاقتصاد الوطني، وبقدرته على مواصلة مسيرته الطموحة والمتحفزة لمزيد من تحقيق مستهدفات رؤيتها الاستراتيجية 2030.
نقلا عن الاقتصادية