جولة آسيوية مهمة قام بها سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، معزَّزة تنويع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الشركاء حول العالم وبما يحقق التوازن الأمثل في العلاقات والتكامل في المصالح الوطنية، استهلها بحضور قمة مجموعة العشرين بإندونيسيا، حيث تعتبر المملكة من الدول الفاعلة فيها، والمؤثرة في الاقتصاد العالمي، والقادرة على اتخاذ قرارات محفزة للنمو من خلال سياساتها النفطية المتزنة، واستثماراتها النوعية، ومساهماتها في تعزيز أمن واستقرار المنطقة الغنية بالنفط، ومشاركتها في معالجة التحديات والحد من «التداعيات عبر الدول» وبما تمتلكه من ثقل سياسي، ومكانة عالمية، وقيادة حكيمة. شددت القمة على أهمية التقييم المستمر لوتيرة رفع الفائدة وتجنب التقلبات المفرطة لأسعار صرف العملات، وتحقيق التوازن بين مكافحة التضخم ودعم النمو واستقلالية البنوك المركزية.
أكد سمو ولي العهد على أهمية ما صدر من قرارات عن القمة، وأمله في أن تعزّز معدلات نمو الاقتصادي العالمي، وأعلن قبيل انتهاء زيارته الرسمية عن تكفل المملكة بترميم المركز الإسلامي في جاكرتا، والذي تعرض إلى حادث حريق مدمر أشهر الماضي. مبادرة غير مستغربة من المملكة، الداعمة للدول الإسلامية، ومن سمو ولي العهد شخصياً، المهتم بعمارة المساجد وترميمها والحريص على ضمان سلامتها لتأدية دورها الإسلامي في الدول الإسلامية والمجتمعات الأخرى.
ومن المهم الإشارة إلى دعم المملكة لصندوق الجائحة (PANDEMIC FUND) بمبلغ قدره 50 مليون دولار، وهو استكمال لمبادرتها بتوفير التمويل للبلدان والمناطق منخفضة ومتوسطة الدخل لتعزيز قدرتها الوقائية من الجوائح المستقبلية، التي أطلقتها خلال رئاستها لمجموعة العشرين العام 2020م.
وفي كوريا الجنوبية، المحطة الثانية للزيارة، كان هناك تركيز على الشؤون الاقتصادية، التي استأثرت بالمباحثات المشتركة، حيث سعى سمو ولي العهد لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم باستثمارات بلغت 29 مليار دولار تم توقيعها خلال الزيارة. تصدّرت مشروعات الهيدروجين والطاقة والبتروكيماويات الاستثمارات التي تم الاتفاق عليها. مشروع شاهين الذي تبلغ قيمته 26 مليار ريال (7 مليارات دولار)، من أهم المشروعات بسبب قيمته الاستثمارية، والتقنية المبتكرة التي يمتلكها، وقدرته على تحويل النفط الخام إلى مواد أولية للبتروكيماويات.
التعاون في تقنيات المفاعلات النووية السلمية، وقطاعات الصناعات عموما والحربية على وجه الخصوص، الإسكان، النقل، التكنلوجيا، من القطاعات المعززة للشراكة الاقتصادية بين البلدين. أحسب أن لدى الشركات الكورية القدرة والكفاءة على معالجة تحديات الإسكان، والطرق، وشبكة القطارات في السوق المحلية ما يستدعي الاستعانة بها لتنفيذ المشروعات ذات الجودة والكفاءة العالية وزمن التنفيذ القصير.
وفي محطته الثالثة زار سمو ولي العهد تايلند، وهي زيارة فتحت صفحة جديدة في العلاقات المشتركة، وأعلنت رسمياً عن انتهاء الأزمة، وفتحت آفاق التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين. صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية والشراكة الاقتصادية، تضمنتها مشاركة استثنائية لسمو ولي العهد في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، كأول مشاركة للمملكة في هذا المنتدى ما يعكس تقديراَ لقيادة المملكة، ولمكانتها العالمية و لثقلها السياسي والاقتصادي.
أهمية الزيارة، ومكانة المملكة عبرت عنها الخارجية التايلندية التي أكدت بأن «السعودية شريك إستراتيجي مهم لتايلند ولدول مجموعة «أبيك» ولديها قوة اقتصادية وسياسية في المنطقة والعالم ونسعى إلى فتح التجارة والاستثمار والعمل وإنشاء منطقة حرة في آسيا والمحيط الهادئ».
جولة آسيوية مهمة، في وقت يشهد فيه العالم، والمنطقة تحديات كبرى، سياسية، أمنية، واقتصادية، ويتطلب جهوداً مكثفة لتحقيق العمل المشترك والتكامل الأمثل بين دول العالم.
مذكرات تفاهم متنوعة تم توقيعها، وإن كنت أعتقد بأهمية تايلند لتحقيق جانب مهم من الأمن الغذائي للمملكة، ومن خلال استثمارات سعودية يتم ضخها في هذا القطاع.
رسم خارطة تحالفات دولية، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي من جهة، ومواجهة التهديدات من جهة أخرى، إضافة إلى تحقيق التوازن في علاقات المملكة وشراكاتها الدولية، وتحفيز الاستثمارات، من أهداف سمو ولي العهد الرئيسة في زياراته الدولية ومشاركاته في المنتديات الاقتصادية والسياسية، فالسعودية أولاً شعار أطلقه سمو ولي العهد ويسعى لتحقيقه بكل ما أوتي من قوة.
نقلا عن الجزيرة