ثورة صناعة الأغذية تحول السعودية إلى دولة رائدة في مجال الاستدامة

09/11/2022 1
أحمد عسيلان

الحاجة أم الاختراع، كما يقول المثل القديم. فالمناظر الطبيعية القاحلة في المملكة العربية السعودية تقدم دليلاً وافياً على حقيقة هذا المثل، حيث تحرز المملكة نجاحاً باهراً بطرق عديدة ومبتكرة لدعم الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. ولا تقتصر هذه الحملة على إنتاج المزيد من المواد الغذائية فحسب، بل تسعى في جوهرها لتكون بمثابة محرك تحويلي شامل لتحقيق الاستدامة في جميع جوانب إنتاج الغذاء، من أجل الحفاظ على الموارد القيمة وإعادة تدويرها، والقضاء على النفايات، وتقليل انبعاثات الكربون وأشكال التلوث الأخرى. وبدون هذا التركيز الدؤوب على الممارسات المستدامة، لن تتمكن صناعة الأغذية في المملكة من تلبية الطموحات الرامية لتوفير كميات متزايدة من المواد الغذائية بأسعار معقولة على المدى الطويل. إذ يتطلب منا الضغط المتزايد على المياه والأرض والموارد الطبيعية الأخرى أن نتصرف بشكل أكثر إبداعاً وإلحاحاً من العديد من الدول الأخرى.

وبرعاية شركة التنمية الغذائية، احتفلت الأمم المتحدة في المملكة العربية السعودية مؤخراً بالذكرى السابعة والسبعين لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة، مما يسلط الضوء على الشراكة التعاونية لدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في جميع دول العالم. وفي ضوء استيراد المملكة لحوالى 80% من موادها الغذائية*، نحظى بتركيز الحكومة السعودية منذ سنوات عديدة على تعزيز الأمن الغذائي والاستدامة على حد سواء، من أجل زيادة كمية وجودة المنتجات الغذائية المحلية. وتعتبر هذه المفاهيم العناصر الأساسية لبرنامج رؤية 2030. وفي هذا الإطار، تسعى الحكومة في المملكة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواجن بنسبة 80% بحلول عام 2025، حيث حققت بنجاح نسبة 68% في هذا العام و45% في عام 2016. وسبق لوزارة البيئة والمياه والزراعة أن أعلنت أن الاستثمارات الجديدة في قطاع الدواجن، مع التركيز على التقنيات المتقدمة، ستبلغ 17 مليار ريال سعودي في السنوات الثلاث المقبلة. وإلى جانب الكشف عن الدعم المتزايد لمنتجي الأغذية في يونيو من هذا العام، أعلنت الوزارة في سبتمبر عن ثلاث اتفاقيات مع شركات محلية وعالمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة لتحقيق إنتاج مستدام وتقليل انبعاثات الكربون.

وتشمل هذه "المزارع الذكية" ذات الإضاءة المعايرة، وتحليل البيانات الضخمة واستخدام الاستشعار عن بعد، وحلول الكشف عن الآفات والأمراض. وإلى جانب الاعتبارات البيئية البحتة، تعمل الحكومة السعودية أيضاً على تعظيم الفوائد الاجتماعية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من فهم وتنفيذ الاستدامة بشكل شامل، بما في ذلك تأمين فرص العمل المختلفة ومجموعة من التدابير الرامية لتوفير مختلف أوجه الدعم الاجتماعي.

وتضطلع المملكة بدور بارز في الجهود العالمية لتحسين استدامة الغذاء بشكل جذري. ويشكل قطاع الأغذية نسبة 30% من استهلاك الطاقة في العالم و22% من انبعاثات الاحتباس الحراري، كما يمثل الري الزراعي نسبة 70% من استخدام المياه في جميع أنحاء العالم. وتلخص منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) بدقة أولويات الاستدامة العالمية مثل زيادة الإنتاجية والعمالة، وحماية وتعزيز الموارد الطبيعية، وتعزيز مرونة المجتمعات والنظم البيئية، وتلاءم الحوكمة مع التحديات الجديدة.

وتفخر شركة التنمية الغذائية، كشركة رائدة في إنتاج وتوزيع الدواجن ومنتجات اللحوم الأخرى، بأن تكون في طليعة التحول المستدام في المملكة والشرق الأوسط. ونحن نعمل بشكل متزايد على تطبيق أعلى المعايير البيئية والاجتماعية العالمية في صناعة الدواجن، بينما نتابع بنشاط أبحاثنا وابتكاراتنا لإيجاد حلول مصممة خصيصاً للسوق السعودي الحيوي للغاية. وتعد شراكتنا مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا بهدف تطوير تقنيات وعمليات جديدة من شأنها أن تدعم في نهاية المطاف سلسلة توريد الدواجن بأكملها وتعزز الإنتاج الغذائي المبتكر والمستدام. وتحت رعاية وزير البيئة والمياه والزراعة، تجتذب جائزة ريادة الأعمال الشاملة التي تبلغ قيمتها مليون دولار أمريكي المواهب المتميزة من مختلف أنحاء العالم بينما نسعى إلى إيجاد أفكار خلاقة لتحويل أعمالنا إلى نظام بيئي مستدام تماماً. وقد فازت "بوليميرون" بجائزة هذا العام، وهي شركة ناشئة من برنامج مسرعات الأعمال في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، لجهودها الرائدة في تحويل مخلفات الدواجن إلى مواد ذات قيمة تجارية بالإضافة إلى توليد الطاقة المتجددة. وستركز جائزة ريادة الأعمال في العام المقبل على تمكيننا من الانتقال من استيراد الذرة والأعلاف القائمة على فول الصويا إلى مواد الأعلاف المستدامة المنتجة محلياً.

ويمثل مشروعنا في محافظة شقراء، أحد أكثر مشاريع الاستدامة اهمية لدينا، حيث قمنا بتخضير مساحة كبيرة من الصحراء من خلال زراعة أكثر من 300 ألف شجرة، ضمن خطة الشركة لزراعة مليون شجرة بحلول العام 2025. وتتدفق المياه العادمة من منشأة التصنيع الأولية القريبة لدينا لري الجذور، بينما تعمل النفايات الصلبة كسماد للغابات. وفي مثال عملي على الاستخدام الدائري للموارد، توفر الأشجار مأوى للصيصان.

ويتماشى التركيز المتزايد لشركة التنمية الغذائية وغيرها من الشركات السعودية على الاستدامة مع الطلبات المتزايدة للمستثمرين. وبالفعل، نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود في هذا المجال. ولهذا السبب، وضعت شركة التنمية الغذائية العديد من الأهداف فيما يخص المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات مثل أن تصبح أول شركة دواجن مُحايدة كربونياً في المملكة، مع التركيز على إعادة تدوير المياه والنفايات الصلبة. وقد أعلن نائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور بن هلال المشيطي أن المملكة تهدف إلى إعادة تدوير 94% من النفايات في العام 2035، والتي من المتوقع أن تساهم في تحقيق دخل سنوي قدره 120 مليار ريال سعودي، مع تحسين جودة الحياة، ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة. وذكر تقرير لوكالة "بلومبيرج" أن قيمة الأصول العالمية المستدامة تتجه لتجاوز 50 تريليون دولار أمريكي بحلول العام 2025، أي ثلث إجمالي الأصول المدارة. وبحسب أبحاث أجرتها شركة "بلاك روك"، أكثر من 80% من صناديق الاستثمار المستدام تفوقت على نظيراتها غير المستدامة في العام 2020.

وتم الإعلان هذا العام عن شراكة استراتيجية بين شركة التنمية الغذائية وشركة تايسون للأغذية الأمريكية، وهي شركة عالمية رائدة في مجال البروتين، والتي ستمنحنا التقنيات المتقدمة ذات المستوى العالمي لدعم تركيزنا على الإنتاج الغذائي المستدام بشكل أكبر. وستعطينا دفعة قوية لتحقيق المزيد من التوسع والنجاح عبر جميع مراحل سلسلة التوريد بدءاً من الحصول على المواد اللازمة ووصولاً إلى مرحلة الإنتاج والتوزيع النهائي، حيث تتوافق خبراتنا وأفكارنا مع شركة تايسون لجعل التنمية شركة رائدة للاستدامة. ونتطلع إلى الاستمرار في لعب هذا الدور الريادي في رحلة تحول المملكة نحو الاقتصاد المستدام، بما في ذلك مبادرة السعودية الخضراء والتي تتجاوز استثماراتها 700 مليار ريال سعودي (186.2 مليار دولار أمريكي) لتسريع نمو الاقتصاد الأخضر.

 

خاص_الفابيتا