أصدرت وزارة المالية في الأسبوع الماضي تقرير الميزانية العامة للدولة عن الربع الثالث من العام المالي الحالي 1443 / 1444 الموافق 2022. ويحوي بيانات حركة الإيرادات والمصروفات خلال ذلك الربع، والفرق بينهما أي الفائض أو العجز ومصدر تمويل العجز. وتستهدف الدولة ممثلة بوزارة المالية تحقيق مزيد شفافية للمالية العامة. وللعلم تعد ميزانية الدولة حسب الأساس المحاسبي النقدي. أما الإعداد حسب أساس الاستحقاق فلم يطبق بعد. ويتم تبويب الميزانية حسب دليل إحصاءات مالية الحكومة 2014 الصادر من صندوق النقد الدولي، واسمه المختصر GFSM 2014.
أبرز أرقام الإيرادات والنفقات بالتقريب في تقرير الربع الثالث 2022:
أولا، إيرادات ونفقات العام الحالي والعام الماضي، وتحديدا مقارنة بين الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي والعام الماضي كله: الإيرادات 950 مليار ريال وكانت 850 مليار ريال في 2021. المصروفات 800 مليار ريال وكانت ألف مليار ريال في 2021. فائض 150 مليار ريال مقابل عجز 75 مليار ريال في 2021.
ثانيا، النتائج الفعلية للأداء في الربع الثالث: الإيرادات 300 مليار والنفقات 285 مليار تقريبا.
ثالثا، الإيرادات النفطية أعلى بنحو 50 في المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي. أما الإيرادات غير النفطية فعلى العكس انخفضت بنحو 25 في المائة. وبالأرقام بلغت الإيرادات النفطية في الربع الثالث نحو 230 مليارا. أما الإيرادات غير النفطية فبلغت 73 مليار ريال في الربع الثالث، وكانت نحو 95 مليار في الربع الثاني.
نقطتان بارزتان في بيان ميزانية الربع الثالث. الأولى، أن هذا العام شهد أول فائض، بعد عجز سنوي منذ 2014 حتى 2021. بل الفائض أكبر مما كان متوقعا أثناء إعداد ميزانية العام الحالي، حيث كان متوقعا تحقيق فائض قدره 90 مليار ريال تقريبا في هذا العام، لكن ما تحقق فعلا من بداية العام حتى نهاية الربع الثالث بلغ نحو 150 مليار ريال. ويقارب نصف رصيد الاحتياطي العام للدولة. وتحقق معظم الفائض في الربعين الأولين من هذا العام. نحمده سبحانه على نعمه.
النقطة الثانية يلاحظ انخفاض إيرادات الضرائب في الربع الثالث مقارنة بالربع الثاني. ولهذا عدة أسباب يقف على رأسها كون الإنفاق الاستهلاكي في الربع الثالث أقل من الثاني. ذلك أن الإجازة الصيفية في الربع الثالث، وتبعا، تنخفض نسبيا بعض الأنشطة فأوجه الإنفاق. مثلا، نسبة عالية من أصحاب الإجازات السعوديين والوافدين يقضونها خارج المملكة. وهذا سبب رئيس في انخفاض نسبي في الاستهلاك المحلي في الربع الثالث مقارنة بالثاني. واشتهر أن السائح السعودي ومن حيث المتوسط العام هو من أعلى السياح إنفاقا على مستوى العالم. وتؤكد ذلك مصادر لها اعتبار. من هذه المصادر Global Travel Intentions Study 2013. وزادت كارثة كورونا من الرغبة في السياحة الخارجية صيف هذا العام، بعد انقطاع في العامين الماضيين.
وخلاف السبب السابق صدرت أكثر من إشارة عن خفض أو انخفاض ضريبي. في بيان إصدار ميزانية 2022 استهدفت نحو 280 مليار ريال إيرادات للضرائب خلال 2022 أي بانخفاض بضعة عشر مليار ريال عن العام الماضي. وهناك قرار لوزير المالية فحواه في إعلان هيئة الزكاة والضريبة والجمارك عن إعادة إطلاق مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية لجميع المكلفين الخاضعين لجميع الأنظمة الضريبية، ولمدة ستة أشهر، ابتداء من الأول من حزيران (يونيو) 2022، وذلك بهدف تخفيف الآثار الاقتصادية المترتبة على المنشآت نتيجة جائحة كورونا. وطبعا من آثار ذلك ووقته انخفاض في الإيرادات الضريبية للربع الثالث.
فائض أعلى من المتوقع وزيادة الاحتياطي
الفائض المحقق هذا العام أعلى مما كان متوقعا. ذلك أن ميزانية العام المالي الحالي بنيت وقت إقرارها أواخر العام الماضي على أساس أسعار في حدود 60 ـ 70 دولارا للبرميل. لكن الأسعار الفعلية هذا العام أعلى كثيرا. ولا يخفى على الإخوة القراء وجود عوامل رفعت الأسعار، على رأسها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتبعاتها على الإمدادات النفطية. وارتفاع الأسعار ليس فقط في مصلحة الدول المنتجة المصدرة، بل هو أيضا مصلحة عامة للعالم، بالنظر إلى أن انخفاض الأسعار القوي يتسبب في خفض شديد في الاستثمار النفطي، ما له بالغ الضرر على الاقتصاد العالمي.
أسهمت زيادة الفائض في زيادة الاحتياطي. فقد بلغ رصيد الاحتياطي للدولة في نهاية الربع الثالث نحو 320 مليار ريال. والمقصود عادة بالاحتياطي مدخرات الدولة، بأهم العملات الأجنبية. وقد يعمم المعنى لتدخل فيه استثمارات مالية للدولة. ولن أدخل في تفاصيل المعنى لأنه يطيل المقال. وهناك احتياطي من نوع آخر، وهو مهم أيضا للمالية العامة، القدرة الإنتاجية النفطية الاحتياطية.
الاحتياطي هو خط دفاع أول للمالية العامة. ذلك بسبب احتمال وقوع الشدائد بين وقت ووقت. علينا ألا نتساهل في أهمية قوة خط الدفاع الأول للمالية العامة. وهذا الخط ليس شأنا جديدا على البشرية. ولنا في هذا أن نستفيد من حدثين تاريخيين اقتصاديين كبيرين. الأول، نصيحة النبي يوسف - عليه السلام - لملك مصر. ما جوهر النصيحة؟ بناء خط الدفاع الأول عبر شد الحزام وبناء مدخرات مناسبة وقت اليسر لاستخدامها وقت العسر. الثاني، أعمال الخليفة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - لضبط الإنفاق الحكومي ومحاربة الفساد وهدر المال العام. وهو ما نرى تطبيقه في بلادنا داعين الله أن يزيد هذا التطبيق نجاحا وتوفيقا.
إن تقرير الربع الثالث يزيد من التأكيد على استمرار البلاد في مزيد من تحسين الإيرادات، وتقليل الاعتماد على النفط، وعلى ضرائب المستهلكين، وعلى رفع كفاءة الإنفاق العام، مع المحافظة على مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، فهي من أولويات الإنفاق الحكومي. وصدر التقرير تحت التزام بالشفافية، بصفتها عاملا رئيسا في رؤية المملكة 2030 وأهدافها. نسأل الله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
يظل البترول هو اللاعب الأول ! نحتاج لخطوات جادة وسريعة للإهتمام بصناعات مشتقات البترول وتسخير الطاقة الشمسية فى تحلية المياه لزراعة أراضينا الشاسعة وتوفير الأمن الغذائى المستدام. هذه يجب أن تكون أولياتنا لتخقيق رؤية 2030 ولتحقيق مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة !