لقد كانت قوانين الشركات منذ الانهيارات المالية الكبرى في بدايات القرن الـ20 تصر على تكوين احتياطي نظامي للشركة وعادة ما يكون في حدود 10 في المائة، ويعود هذا الإجراء إلى ما شهدته شركات السكك الحديدية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة من خطأ كارثي تمثل في توزيع جزء من رأس المال على شكل أرباح، لكن النقاش حول أسباب ذلك الخطأ أوصل الجميع إلى طريق مسدود، فالأرقام المحاسبية تختلط بين تدفقات نقدية حقيقية ومجرد تقديرات، فنحن لا نعرف على وجه الدقة بكم تم استهلاك الأصول، ولا قيمة الحسابات المدينة الجيدة، ولا تلك التي قد تصبح معدومة، وهذا يجعل الفرق شديد الوضوح بين قيمة رقم الأرباح الظاهر في قائمة الدخل، وما يمكن تحويله إلى نقد. وكي تتجنب الشركات خطأ توزيع أرباح وهمية، فإنها رغم كل التحفظات المحاسبية والمخصصات تجنب أيضا جزءا من الأرباح على شكل احتياطي كمزيد من الضمانات، بهذه الصورة فإن حجم التدفقات النقدية المتوقع من أرباح الشركات يتأثر بتقديرات الإدارة للمخصصات، فإذا بالغت الإدارة في التقدير فإن التدفقات تقل، وإذا تراخت فإن التدفقات تتزايد. بما أن التدفقات النقدية المتوقعة غير مؤكدة، وهي تتأثر بتقديرات الإدارة فإن هناك حتما قدرة لدى إدارة الشركات على إخراج رقم الأرباح بحسب ما تود قوله وتريد دفعه من توزيعات نقدية، وقد تود إدارة الشركة إظهار الخسائر بدلا من الأرباح. وأقول تود الآن، إذ إن إدارة الشركة قادرة على إدارة رقم الربح كيفما تشاء، ولهذا قد تتفاجأ بشركة عملاقة تراجعت أرباحها بشكل يفوق التوقعات، كما قد ترى شركة ناشئة تريد سوق الأسهم وقد حققت أرباحا قياسية، فإدارة الأرباح واقع أثبتته الدراسات ولا مفر منه، ولهذا أسباب أوردها فيما سيأتي.
هناك اتهام دائم بأن الإدارة تتلاعب بالأرباح من أجل تعظيم قيمة المكافآت، وتبرير طلب زيادة الراتب والمزايا، فالشركة التي لديها خسائر لن تمنح موظفيها زيادة في الرواتب، ولهذا في الولايات المتحدة وبعد انهيار إنرون صدر قانون Sarbanes-Oxley (SOX) يمنح هيئة السوق المالية SEC حق استرداد المكافأة أو الحوافز أو أي تعويض آخر عندما تكتشف أخطاء في القوائم المالية تتطلب إعادة إصدارها نتيجة ممارسات الإدارة غير النزيهة بشأن رقم الأرباح، لكن الواقع يثبت أن قرارات الإدارة بشأن رقم الأرباح قد تكون مفيدة، ففي أحيان قد تكون السوق المالية متشائمة بشأن المستقبل، كمثل ما تشهده الأسواق المالية اليوم من حال نظرا للحرب والتهديد المتزايد وكذلك التضخم، وفي حال كهذه إذا لم تخفف الإدارة من تقديراتها السيئة للديون المشكوك فيها مثلا، فهي قد تزيد من الضغوط على السهم، ما يضيع حقوق المساهمين، بينما الحال فعلا قد لا تكون بمثل السوء، لذا فإن إدارة الأرباح من أجل تجميل الدخل أمر مفيد للأسواق المالية عندما يعم التشاؤم. هذا يجعل الجميع في حيرة، فمتى تكون إدارة الأرباح مفيدة ومتى تكون ضارة؟ في الواقع لا أحد يعرف سوى الإدارة نفسها، ذلك أن إدارة الأرباح لا تأتي دائما في شكل تضخيم الأرقام، بل أحيانا تأتي في شكل تقليل قيمة الشركة، ففي دراسات هناك دول اتجهت نحو تخصيص الخدمات وبيع الشركات للقطاع الخاص، ومن بينها الصين، تبين أنه عندما تتم خصخصة الشركات المملوكة للدولة، فإن المسؤولين الذين أداروا الشركة قبل الخصخصة يحاولون الاحتفاظ بمناصبهم الإدارية بعد الخصخصة من خلال تخفيض الأرباح لتمكين المالكين الجدد من الفوز بالشركة بأقل من قيمتها، ما يجعل المالكين الجدد ممتنين للذين ساعدوهم في الاستحواذ على الشركة، كما أن العودة إلى مستويات الأرباح الطبيعية بعد الخصخصة يجعل المديرين قادرين على الاحتفاظ بمناصبهم لأطول فترة ممكنة. وكما أشرت، فإن الإدارة قد تسعى بجهدها إلى تخفيض رقم الأرباح عندما ترغب في تنفيذ خطة المكافآت التي تأتي في شكل خيارات الأسهم، فيكون من الأفضل الإبلاغ عن أرباح أقل أو نشر الأخبار السيئة عندما يحين الوقت لممارسة الخيارات، ما يمكنهم من الفوز بالأسهم عند سعر أقل من السعر المعقول للسهم في ظل الأرباح الطبيعية "دون تدخل قوي من الإدارة".
كحل يحتاج المجتمع إلى وسطاء وآليات أخرى لمراقبة الإدارة - حراس البوابة. الحارس الرئيس هي الحوكمة المستديرة بالقيم، فالواقع يشهد بأن جودة المعلومات المالية لا تحققها إلا نزاهة العملية المحاسبية، كما لا بد من وجود إدارة للمراجعة الداخلية، وهناك دور خاص جدا للمحللين، ووسائل الإعلام التي تتمتع باستقلال وموضوعية، والمبلغين.
نقلا عن الاقتصادية