في الوقت الذي كان قرار "أوبك +" الأخير لخفض الإنتاج يتصدر عناوين أسواق النفط، كان جزء آخر من السوق يواجه أزمة أكثر إلحاحا وتزداد سوءا يوما بعد يوم - سوق المنتجات النفطية، خاصة الديزل. بالفعل، كانت مخزونات الديزل العالمية والمقطرات الوسطية الأخرى في حالة انخفاض منذ فترة حتى الآن، ولا يوجد في الأفق انعكاس لهذا الاتجاه. من ناحية أخرى، يتزايد الطلب على هذه المنتجات، ما يؤدي إلى اتساع النقص في المعروض. أصبح الوضع خطيرا لدرجة أن المشترين الأمريكيين بدأوا اقتناص شحنات الديزل التي كانت تبحر في الأصل إلى أوروبا. في هذا الجانب، ذكرت "رويترز" في وقت سابق من هذا الشهر، أن ثلاث ناقلات على الأقل تحمل الديزل من الشرق الأوسط غيرت مسارها في منتصف رحلتها وتبحر الآن إلى الولايات المتحدة. وهذه المنافسة الجديدة على وشك أن تشتد.
أساس النقص هو الفجوة بين طاقات التكرير والطلب على الوقود. شهد الوباء إغلاق كثير من المصافي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. لم يكن الوباء السبب في حد ذاته فحسب، بل إن توقع طفرة في الطلب على المركبات الكهربائية التي من شأنها أن تجعل كثيرا من طاقات التكرير عاطلة كان لها دور أيضا. لكن، لم تتحقق طفرة المركبات الكهربائية بعد. في غضون ذلك، ظل الطلب على وقود الديزل قويا، ما أدى إلى نقص في الإمدادات. في الواقع، من المقرر أن تتفاقم أزمة الديزل في أوروبا في الأشهر المقبلة مع إغلاق مزيد من المصافي الأوروبية للصيانة هذا الشهر، كما أن الانقطاعات غير المخطط لها تقلل العرض. سيؤدي الطلب الأوروبي القوي على الوقود إلى جذب إمدادات إضافية من مناطق أخرى، ما يزيد من تشدد أسواق المنتجات العالمية التي تعاني في الأساس نقصا. سيأتي التشدد المتوقع لسوق الديزل في أوروبا، في الوقت الذي يستعد فيه الاتحاد الأوروبي إلى حظر استيراد المنتجات البترولية الروسية عن طريق البحر، بدءا من شباط (فبراير) 2023. بالفعل، ارتفعت هوامش أرباح الديزل القياسية في أوروبا أخيرا إلى أعلى مستوياتها، وفقا لتقديرات "رويترز"، في حين قال محللون وتجار لـ"رويترز"، إن أسعار الديزل من المقرر أن تقفز أكثر وسط تشدد السوق.
في هذا الشهر، خضعت مصافي التكرير الرئيسة في جميع أنحاء أوروبا لأعمال صيانة مخططة، ما رفع إجمالي الطاقة الإنتاجية قيد الصيانة إلى 1.5 مليون برميل يوميا، وفقا لتقديرات إنرجي أسبكتس Energy Aspects. هذا الرقم أعلى من قدرة أيلول (سبتمبر) التي كانت قيد الصيانة وأعلى من متوسط الأعوام الخمسة قبل جائحة كورونا. ثم هناك انقطاعات غير مخطط لها، مثل الانقطاع الحالي لمصافي التكرير في فرنسا، بسبب إضراب العمال من جراء خلافات حول الأجور. بالفعل، أكثر من نصف طاقة التكرير في فرنسا معطل حاليا نتيجة لذلك. يشعر تجار الديزل والمنتجات الأخرى في أوروبا بالقلق من أن التوقيت غير المؤكد لعودة تلك الطاقات، سيزيد من تشدد السوق قبيل حظر الاتحاد الأوروبي على منتجات النفط الروسية في أوائل العام المقبل.
قبل أشهر من الحظر، لا تزال أوروبا تستورد كثيرا من الديزل من روسيا لسد الفجوة، وتدفع مقابل الوقود أكثر مما دفعته في أيار (مايو). لكن هذا سيتعين أن يتوقف في شباط (فبراير) المقبل مع بدء الحظر، ما يزيد من تفاقم الوضع المعقد بالفعل في توريد نواتج التقطير المتوسطة في منطقة مستهلكة رئيسة. لذلك، تتطلع أوروبا إلى استيراد مزيد من الديزل من آسيا والشرق الأوسط.
في هذا الجانب، ذكرت "أركوس" Argus الأسبوع الماضي، أن أوروبا تمر بأزمة كبيرة في إمدادات الديزل بسبب انخفاض المخزونات والطلب القوي. وكان لمستوى المخزونات علاقة كبيرة بالانقطاع غير المخطط له في المصافي الأوروبية قبل موسم الصيانة، بما في ذلك انخفاض إنتاج الوقود الفرنسي لمدة أربعة أسابيع وسط إضراب العمال. علاوة على ذلك، نقلت "أرجوس" عن المتداولين قولهم، إنه لم يكن هناك حافز كبير لبناء مخزونات الديزل في ظل الوضع الحالي للسوق، حيث إن أسواق الديزل بحالة تراجع backwardation قوية في الوقت الحالي، أي أسعار العقود ذات الأجل القريب أعلى من الأطول أجلا، لذلك من منظور المصافي وتجار السلع، ليس هناك معنى أو حافز للتخزين.
في غضون ذلك، انخفضت مخزونات نواتج التقطير في الولايات المتحدة إلى 106 ملايين برميل، وهو أدنى مستوى منذ بدء تسجيل هذه المخزونات في 1982. وأوروبا تعمل بشكل أفضل قليلا، حيث بلغ مخزون نواتج التقطير 360 مليون برميل في نهاية أيلول (سبتمبر)، أدنى مستوى موسمي منذ 2007. كانت الولايات المتحدة تصدر كثيرا من الديزل إلى أوروبا المضطربة، لكن الأمور تتغير الآن، وليس فقط لأن الشحنات يتم تحويلها من أوروبا إلى الساحل الأمريكي. بل تستعد مصافي التكرير في الولايات المتحدة إلى فرض حظر محتمل على صادرات الوقود. لكن، فكرة حظر تصدير الوقود لتأمين التوريد للسوق المحلية، التي طرحت في وقت سابق من هذا العام من قبل الإدارة الأمريكية، دفعت الرئيس التنفيذي لمعهد البترول الأمريكي ورئيس هيئة مصنعي الوقود والبتروكيماويات الأمريكية، للتحذير من مثل هذه الخطوة. حيث، كتب المعهد والهيئة إلى وزيرة الطاقة أن فرض حظر على الصادرات يمكن أن "يقلل مستويات المخزون، يقلل طاقة التكرير المحلية، يضع ضغطا تصاعديا على أسعار الوقود للمستهلكين، ويعزل حلفاء الولايات المتحدة أثناء الأزمة".
ومع ذلك، في الوقت الحالي، يشتري الأمريكيون شحنات الديزل المقبلة إلى أوروبا بطريقة مشابهة للطريقة التي كانت بها أوروبا تلتقط شحنات الغاز الطبيعي المسال المخصصة في الأصل لوجهات آسيوية. والعرض لا يرتفع بالسرعة الكافية، لأنه لا توجد طاقات تكرير كافية لكي يرتفع بسرعة أو حتى بشكل كاف. وهذا يسبب كثيرا من المتاعب لكل من أوروبا والولايات المتحدة، خاصة فيما يخص التضخم.
بالفعل، على الرغم من أن أسواق النفط الخام قد تبقى في حالة فائض، حتى مع حظر الاتحاد الأوروبي، ووضع سقف على أسعار النفط الروسي، إلا أن أسواق المنتجات، خاصة الديزل، من المتوقع أن تظل في حالة عجز بسبب تشدد طاقات التكرير خارج الصين.
نقلا عن الاقتصادية
هل تفعلها بترورابغ ؟ ام كالعادة نتايج خايبة