تكشف القراءة التفصيلية للاستراتيجية الوطنية للصناعة، ومحاولة استكشاف انعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد الوطني بصورة أوسع، سواء على مستوى الهيكل الاقتصادي حسب نشاطاته الرئيسة "زراعة، صناعة، خدمات"، أو على مستوى آثارها الإيجابية المأمولة على سوق العمل المحلية "القطاع الخاص"، والارتفاع المأمول في أعداد الوظائف الملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة، كل تلك المتغيرات تحمل في طياتها النجاح المأمول - بمشيئة الله تعالى - سواء لهذه الاستراتيجية الطموحة، أو لبقية المبادرات والاستراتيجيات التي تم إقرارها تحت مظلة رؤية المملكة 2030، وتؤكد المؤشرات الأولية على ترقب حصد الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي كثيرا من العوائد والمكاسب البالغة الأهمية، وهو المأمول اكتمال وتضافر الجهود حول إتمامه من قبل الأطراف كافة، مستمدين جميعا العون من الله - عز وجل - الذي من على بلادنا بقيادة طموحة وبموارد وفيرة وإمكانات وخيارات واسعة بحمد الله.
في الوقت الذي تستهدف الاستراتيجية ارتفاع الناتج المحلي الصناعي إلى 895 مليار ريال بنهاية 2030، بما يؤهله إلى تحقيق متوسط معدل نمو سنوي حقيقي يناهز 10.5 في المائة عن الفترة 2020 - 2030، ثم إلى أكثر من 1.4 تريليون ريال بنهاية 2035، أي بمتوسط معدل نمو سنوي حقيقي يناهز 9.6 في المائة عن الفترة 2030 - 2035، فهذا من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي عموما، وينعكس أثره الإيجابي على نشاطي الزراعة والخدمات، وأن ينهجا وفق أكثر السيناريوهات تحفظا مسيرة متنامية - بمشيئة الله تعالى -، يقدر أن يحققا متوسط معدلي نمو سنوي حقيقين للفترة 2020 - 2030 يقدران بنحو 2.2 في المائة للنشاط الزراعي، ونحو 5.4 في المائة لنشاط الخدمات، ثم يتراجعان بنسبة طفيفة إلى 1.9 في المائة للزراعة خلال الفترة 2030 - 2035، وإلى 4.8 في المائة للخدمات.
وفقا لما تقدم من مسارات نمو حقيقي متوقع للنشاطات الرئيسة للاقتصاد الوطني، أن ينعكس في مجمله على الاقتصاد بتحقيقه متوسط معدل نمو سنوي حقيقي مقارب لسقف 7.7 في المائة خلال الفترة 2020 - 2030، ثم يتراجع بنسبة طفيفة إلى 6.7 في المائة خلال الفترة 2030 - 2035، الذي يقدر أن يكون ضمن أعلى معدلات نمو الاقتصادات حول العالم خلال الـ13 عاما المقبلة، كما ستكون معدلات نمو مثالية جدا وسط التقلبات الحادة التي يمر بها أغلب الاقتصادات المتقدمة، والتحديات الجسيمة التي تواجهها اقتصادات الأسواق الناشئة، نتيجة الصراعات العسكرية والاضطرابات الجيوسياسية في عديد من المراكز المؤثرة في الاستقرار الدولي والاقتصادي، حتى في التجارة العالمية والأسواق المالية.
وانتقالا إلى الزيادة المرتقبة على حجم العمالة في النشاط الصناعي المحلي، الذي تتوقع الاستراتيجية الوطنية للصناعة أن يضيف النشاط نحو 1.2 مليون وظيفة للمواطنين حتى نهاية 2030 مقارنة بحجمها الراهن حتى منتصف العام الجاري، ثم سيضيف نحو أعلى من 1.2 مليون وظيفة أخرى خلال الفترة 2030 - 2035، ليصل إجمالي العمالة المواطنة في النشاط بنهاية الفترة إلى نحو 3.3 مليون وظيفة، وأن ترتفع مساهمة تلك الوظائف المشغولة بمواطنين ومواطنات إلى إجمالي وظائفهم في القطاع الخاص من 40.6 في المائة "نهاية 2021"، لتصل وفي تلك المعدلات من النمو إلى نحو 49.6 في المائة بنهاية 2030، ثم ترتفع إلى 52.1 في المائة بنهاية 2035.
وتحت زخم النمو الاقتصادي المرتقب لجميع نشاطات الاقتصاد الوطني، يتوقع أن يتمكن القطاع الخاص من إضافة أعلى من 2.1 مليون وظيفة خلال الفترة 2022 - 2030، ليصل إجمالي وظائف المواطنين والمواطنات في القطاع الخاص إلى نحو 4.2 مليون وظيفة، بمتوسط معدل نمو سنوي للفترة يناهز 9.1 في المائة، وأن تستمر وتيرة نمو الوظائف خلال الفترة 2030 - 2035 ورفع حجم وظائف المواطنين والمواطنات في القطاع الخاص إلى نحو 6.3 مليون وظيفة بنهاية 2035، وليصل بذلك إجمالي الوظائف التي سيتم توفيرها في القطاع خلال الفترة 2022 - 2035 إلى أعلى من 4.2 مليون وظيفة، كإحدى أهم ثمار وعوائد النمو القياسي المتوقع للاقتصاد الوطني عموما، ووفقا لسيناريو الاستراتيجية الوطنية للصناعة، الذي ستسهم ترجمته على أرض الواقع في زيادة معدلات التوطين، ورفع مستويات الدخل الحقيقي للمواطنين والمواطنات، إضافة إلى مساهمته في خفض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته التاريخية، وهو ما يلتقي تماما مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
استندت السيناريوهات أعلاه إلى توقعات الاستراتيجية الوطنية للصناعة، وتحديدا إلى المسار المتحفظ مقارنة بغيره من السيناريوهات الأعلى تفاؤلا، وما تلك التقديرات التي يؤمل تحققها إلا تأكيدا على الأهمية التي تحظى بها هذه الاستراتيجية، وضرورة تضافر الجهود وتكاملها من قبل الأطراف كافة على النحو الذي يذهب بها إلى مستهدفاتها النهائية، وأن متابعة الأداء والإنجاز بصورة دورية خلال الأعوام المقبلة، وهو الأمر المعمول به - بحمد الله - ضمن منهجية الحوكمة التي تخضع لها جميع المبادرات والبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030. لا تحمل وزارة الصناعة والثروة المعدنية وحدها مسؤولية ترجمة هذه الاستراتيجية على أرض الواقع وفق المواعيد الزمنية المحددة لها مستقبلا، بل هي مسؤولية الجميع على هذه الأرض الغالية والحبيبة، وهو الأمر الذي تقتضي أهمية إنجازه وتحقيقه بتوفيق الله، أن تتم قراءة ومتابعة التقارير الدورية الخاصة بالاستراتيجية، وإطلاع الجميع على نتائجها السنوية، ومناقشتها وتحليلها من قبل المختصين والمهتمين بالشأنين الصناعي والاقتصادي.
نقلا عن الاقتصادية