حتى لا يتحول التمويل لعبء مالي

25/08/2022 0
طلعت بن زكي حافظ

لا يكاد أحد منا سواء شخص طبيعي أم اعتباري (شركة أم مؤسسة بما في ذلك رائد أو رائدة أعمال)، لا يحتاج أو يلجأ للحصول على تمويل في مرحلة ما من حياته، وبالذات في مرحلة التكوين والتأسيس، ومن ثم التوسع والتطوير والتحديث.

وهنا لا تَكمن المشكلة، لأن جذور المشكلة وبدايتها تحدث عندما، وبالذات بالنسبة للشركات والمؤسسات ولرواد ولرائدات الأعمال، عندما يتجهون إلى التمويل إما في التوقيت غير المناسب أو بالمرحلة العمرية الخاطئة من المشروع أو بالاختيار الخطأ حتى لنوع التمويل، الذي قد لا يكون مناسباً لمتطلبات المرحلة، لا من حيث النوع ولا من حيث الكلفة.

تشير مؤشرات دولية إلى أن من بين أبرز أسباب تعثر الشركات وعدم استمراريتها، وبالذات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر؛ الارتفاع المبالغ فيه وغير المبرر في نسبة الديون إلى حقوق الملكية أو ما يعرف بالرافعة المالية Financial Leverage، والاعتماد على تمويل قصير الأجل لتمويل وتغطية إنفاق رأسمالي، وكذلك تكرار جدولة المديونات التي على الشركة وتمديد فترات استحقاقاتها.

تنبهت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" في وقتٍ مبكر بأهمية توعية رواد ورائدات الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالذات المبتدئين منهم، إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر عند التفكير في الدخول في أي نوع من أنواع التمويل، بحيث يكون قرار التمويل صائبا ومجديا اقتصاديا ولا يتحول إلى عبء مالي يثقل كاهل المؤسسة والمنشأة لينتهي بها الأمر لا سمح الله إلى انهيارها وإشهارها لإفلاسها.

إن جميع برامج التوعية التمويلية التي أطلقتها "منشآت"، استندت في الأساس إلى تعريف رواد الأعمال من الجنسين، بما في ذلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالحلول التمويلية المتاحة والممكنة، وكذلك بالخيارات التي تقدمها "منشآت" والجهات التمويلية المتعاونة معها في سبيل رفع مستوى الوعي والمعرفة، وتوفير بنية تحتية معرفية تعمل على خدمة كافة رواد الأعمال في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

وإلى جانب تلك الحملات، قد أطلقت "منشآت" مبادرة نوعية، أطلقت عليها "بوابة التمويل"، والتي هي عبارة عن منصة إلكترونية تربط الممولين من الحكومة والقطاع الخاص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة الراغبة في الحصول على التمويل وتمكينهم من اختيار عروض التمويل المناسبة، كونها تهدف إلى تسهيل وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال إلى وكالات التمويل من خلال توفير جميع مبادرات التمويل في منصة واحدة، ما سيسهم بشكلٍ كبيرٍ جداً في تقليل تكاليف التمويل وتوفير الوقت والجهد للحصول على التمويل المناسب.

أخلص القول؛ بأن التمويل يُعد أحد أبجديات وأسس تأسيس الأعمال وتطويرها، بل وأهمها، ولكن رغم ذلك لا يَعني ذلك بالضرورة انغماس الشركات والمؤسسات في التمويل، وبالذات رواد ورائدات الأعمال في بداية إنشاء أعمالهم، دون توفر مبررات ومسوغات وحاجة حقيقة للتمويل، وليس ذلك فحسب، حيث تتجلى أهمية التمويل الصح في التوقيت المناسب وكذلك في اختيار النوع الملائم لاحتياجات الكيان التجاري.

إن التمويل الصح والمؤسسي يفرض الحاجة في البداية وقبل خوض غمار التجربة، إلى طرح العديد من التساؤلات والاستفسارات والبحث عن الإجابات المناسبة لها والصادقة في نفس الوقت بعيداً عن العاطفة والارتجال والحماس غير المبرر، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: هل هناك حاجة فعلية للتمويل؟، وهل المنشأة على وعي تام وكامل بتبعات التمويل وما يترتب عليه من تكاليف وأعباء مالية؟، وهل تلك الأعباء المالية تتناسب مع العوائد المرجوة من الحصول على التمويل؟، وكذلك ما هو نوع التمويل المناسب للملاءة المالية للمنشأة وقدرتها على السداد وفقاً للتدفقات النقدية؟، وما هو نوع التمويل المناسب للمنشأة، الذي تحتاجه (تمويل راس المال العامل أم تمويل رأسمالي (أصول وممتلكات ثابت)؟، وأخيراً وليس آخراً، هل من الأفضل والأجدر اللجوء إلى خيارات تمويلية أخرى خلاف قنوات التمويل التقليدية، كمثال التمويل الذي يَعتمد على منصات وقنوات التمويل الالكترونية المختلفة، أو ما يعرف بالـFinTech كونه يُفترض أن يكون الحصول منها على التمويل أقل كلفة مقارنة بقنوات التمويل التقليدية، وذلك بسبب طبيعة هيكلية نموذج العمل الـBusiness Model بتلك المنصات، والتي من بينها منصات التمويل الجماعي Lending – based crowdfunding (LBC) وغيرها من المنصات والقنوات التمويلية الإلكترونية الأخرى.

كما وينصح رواد ورائدات الأعمال، وبالذات الذين في بدايات مراحل تأسيسهم لأعمالهم وأنشطتهم التجارية، عدم اللجوء إلى مصادر التمويل التقليدية المتعارف عليها كالبنوك التجارية ومؤسسات التمويل، وإنما التفكير في اللجوء للحصول على التمويل من أفراد العائلة والأقارب، بما في ذلك الأصدقاء، باعتبار أن كلفة هذا النوع من التمويل عادة ما تكون منخفضة وأحياناً عديمة الكلفة، هذا بالإضافة إلى أنه قد لا يتطلب توفير ضمانات أو تقديم مستندات.

أختم هذا المقال بالقول؛ بأنه يجب عدم استسهال الحصول على التمويل، وبالذات التمويل غير المسؤول الذي في الغالب ما يتسبب في حدوث عواقب وخيمة، قد تطال ليس فقط المنشأة التجارية فحسب، وإنما قد تطال أصحاب العلاقة من ممولين وموردين ومستهلكين، بما في ذلك الاقتصاد الوطني ككل.

 

 

نقلا عن الرياض