أشاد البيان الختامي الصادر عن صندوق النقد الدولي International Monetary Fund -IMF عقب اختتام زيارة فريق العمل المنبثق عن الصندوق للمملكة في شهر أبريل الماضي بشأن مشاورات المادة الرابعة Article IV بقوة ومتانة الاقتصاد السعودي، وبالذات في قدرته على تخطيه لأزمتين عالميتين متزامنتين من حيث التوقيت تقريباً ومتتابعتين في نفس الوقت Back to Back، وهما: وباء فيروس كورونا المستجد والنزاع العسكري القائم حالياً بين روسيا وأوكرانيا.
تجدر الإشارة إلى أنه بموجب المادة الرابعة من النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي، يَعقد الصندوق مناقشات ثنائية Bilateral Discussion مع أغلب الأعضاء بالصندوق (92 عضواً)، عادة في كل عام، يقوم من خلالها فريق من الموظفين بزيارة البلد العضو لجمع المعلومات الاقتصادية والمالية، ومناقشة التطورات والسياسات الاقتصادية للبلد مع المسؤولين، وبعد الانتهاء من زيارة فريق العمل أو بعثة الصندوق واتمام مناقشاته الثنائية مع الدولة العضو، يقوم بتقديم تقرير تمهيدي أو ما يُعرف كذلك بالبيان التمهيدي للمجلس التنفيذي للصندوق، وكما هو واقع الحال بالنسبة للمملكة، ومن ثم بعد ذلك يصدر البيان الختامي لمشاورات المادة بعد اعتماده من المجلس المذكور.
من بين أبرز المؤشرات الاقتصادية القوية التي أشار إليها البيان الختامي للصندوق عن اقتصاد المملكة ووضعها المالي للعام الحالي، استمرار النمو والانتعاش الاقتصادي بمعدلات قوية على المديين القصير والمتوسط، واحتواء التضخم المتوقع وفقاً لتقديرات الصندوق أن يصل بحدود 2.8 %، هذا بالإضافة إلى تزايد قوة مركزها الاقتصادي الخارجي.
هذه المؤشرات الاقتصادية الإيجابية وفقاً لبيان الصندوق، توقعت أن ينمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 7.6 % في العام الحالي من معدل متوقع في وقتٍ سابق بنسبة 7.4 %، وكذلك نمو القطاع غير النفطي بنحو 4.2 %، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى 17.2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
استند البيان الختامي في نتائجه الإيجابية عن اقتصاد المملكة على عدة عوامل واعتبارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ نجاح المملكة وقدرتها الفائقة في التعامل مع جائحة فيروس كورونا (كوفيد - 19)، وتجاوز الاقتصاد السعودي، باعتباره جزءا مهما من منظومة الاقتصاد العالمي للمخاطر التي شكلتها الأزمة الروسية الأوكرانية، مثال الاضطراب الحاصل في أسواق الطاقة، وبالذات في أسواق الغاز الطبيعي، بما في ذلك سلاسل الامداد والأمن الغذائي. كما أنه لم يكن هناك تأثير ملحوظ بل محدود لتشديد السياسات النقدية في الاقتصادات المتقدمة، بفضل مستويات السيولة والرسملة القوية التي يتمتع بها القطاع المصرفي، هذا بالإضافة إلى ما يشهده النشاط الاقتصادي من تحسناً قوياً مدعوماً بارتفاع أسعار النفط والإصلاحات التي تجريها الحكومة في إطار رؤية 2030.
ويتوقع لهذا الزخم وللنظرة المستقبلية الإيجابية للاقتصاد السعودي على المديين القصير والمتوسط، أن يزيد من قوة المركز المالي للمملكة وكذلك من وضعها الاقتصادي الخارجي، سيما في ظل تأكيد الصندوق على مواصلة المملكة لتنفيذها للإصلاحات الهيكلية، التي ستساعد على ضمان تحقيق انتعاش قوي وشامل وصديق للبيئة، وبالذات وأن المملكة أظهرت تعافياً قوياً في أعقاب الركود الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة فيروس كورونا المستجد.
البيان أشاد كذلك بالدعم المقدم من المالية العامة وزخم الإصلاحات وارتفاع أسعار النفط وزيادة انتاجه التي ساعدت جميعها المملكة على سرعة التعافي، حيث شهد الاقتصاد دفعة قوية انعكست على نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي بنسبة 4,9 % في العام الماضي، مدفوعاً في الأساس بتعافي قطاع الصناعة التحويلية وقطاع التجزئة (بما في ذلك التجارة الإلكترونية) والقطاع التجاري.
ولقد كان للمحافظة على استدامة المالية العامة، دور مهم جداً في تقوية المالية العامة للدولة، وبالذات في ظل وضع سقف للإنفاق لا يتأثر بتقلبات أسعار النفط، مما دفع بخبراء الصندوق إلى التوقع بأن يفوق أداء المالية العامة في العام الحالي توقعات الميزانية، وأن تتراجع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
وتطرّق البيان الختامي للصندوق أيضاً لجانب جهود المملكة المرتبطة بالسياسات المناخية، وتركيز الحكومة السعودية وتكثيفها للاستثمارات في إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر، إضافة إلى جهودها المتواصلة في البحث والتطوير مع التركيز على الاقتصاد الدائري للكربون.
أخيراً وليس آخراً، أشاد البيان الختامي بتراجع معدل البطالة في المملكة إلى 10.1 % في الربع الأول من العام الحالي، نتيجة لارتفاع معدلات توظيف المواطنين السعوديين في القطاع الخاص، والمبادرات الفعالة لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة التي أدت إلى تجاوز مستهدفات رؤية المملكة 2030.
دون أدنى شك أن البيان الختامي الصادر عن صندوق النقد الدولي المرتبط بمشاورات المادة الرابعة قد نجح في تشخيص واقع الاقتصاد السعودي وقدرته على مواجهة العديد من التحديات والصعوبات التي حلت بالاقتصاد العالمي خلال العامين الماضيين؛ وبالذات في تمكنه من المحافظة على الاستدامة المالية واستمرار المملكة في نهجها الإصلاحي للاقتصاد وللمالية العامة وفقاً لمستهدفات رؤيتها الطموحة 2030، ما ساهم بفعالية في تعزيز متانة وقوة اقتصادها وفي تحقيقها لنمو اقتصادي مستدام وشامل.
أسأل الله العلي القدير أن يديم على بلادنا نعمة متانة وقوة الاقتصاد، لينعم الوطن والمواطن برغد العيش وكرامة الحياة رغم التحديات والصعوبات التي تحل بالعالم بين الحين والآخر.
نقلا عن الرياض
بصريح العبارة تلميع الملمع يبهت.