جدد صندوق النقد الدولي إشادته بأداء الاقتصاد السعودي، وفقا لما أورده في أحدث تقرير له حول مشاورات المادة الرابعة لـ2022 الخاصة بالمملكة، مؤكدا شهادته بما أظهرته المؤشرات الأساسية للاقتصاد الكلي من تعاف قوي، مكنه من تجاوز التداعيات التي خلفتها حالة الركود الناتجة عن انتشار الجائحة العالمية لكوفيد - 19، بالاعتماد على عديد من الركائز الرئيسة التي اتخذتها المملكة طوال الفترة منذ إعلان الجائحة وأثناء فترة انتشارها حتى تاريخه، بدءا من توفير السيولة اللازمة للاقتصاد وفقا للنهج التحفيزي للسياسة النقدية، المقترن بالدعم الاستثنائي الذي سخرته المالية العامة لضمان تماسك الاقتصاد في وجه أي تداعيات عكسية للجائحة محليا وخارجيا، هذا إضافة إلى استفادة الاقتصاد الوطني من النتائج المتحققة للكم الكبير من البرامج التنفيذية والمبادرات تحت مظلة رؤية المملكة 2030، التي أسهمت مجتمعة في تحقق كثير للاقتصاد الكلي على طريق الإصلاحات الهيكلية له.
كما تضمنت إشادة التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي، الإشارة ضمن الدعائم التي توافرت للاقتصاد الكلي في المملكة، إلى الدور الذي أسهم فيه الارتفاع القياسي للأسعار العالمية للنفط، واقترانه بزيادة الإنتاج طوال الفترة الماضية، ما سرع بدوره في مجمل النتائج المتحققة من وتيرة التعافي الاقتصادي، ومنحه القدرة اللازمة والممكنة لتحقيق معدلات نمو قوية، المتوقع بلوغه بنهاية العام الجاري 7.6 في المائة، متجاوزا بذلك المعدل الأسرع على مستوى اقتصادات دول العالم، انعكاسات التشديد الراهن على السياسة النقدية لكبح الآثار التضخمية، ومتجاوزا أيضا سياسات الضبط المالي، وما طغى على سطح الاقتصاد العالمي من تداعيات للحرب الراهنة في أوكرانيا، وتحييدها فيما يتعلق بالاقتصاد الوطني التي لا تزال محدودة حتى الآن، وسيدفع بتحقق ذلك المعدل الإيجابي للنمو الاقتصادي في المملكة، ما اكتسبه الاقتصاد من ثمار كبيرة تم حصدها طوال الأعوام الأخيرة، نتيجة للجهود المتواصلة على مستوى تنفيذ برامج ومبادرات الإصلاحات الهيكلية الواسعة، إضافة إلى الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، وما عمل عليه صندوق الاستثمارات العامة من مشاريع استثمارية عملاقة، بالشراكة مع كل من القطاع الخاص المحلي والاستثمارات الأجنبية العملاقة.
وتأكيدا على ترسيخ التوازن في منظومة إدارة الاقتصاد الوطني، فقد جاءت النتائج الفعلية حتى تاريخه ضمن مسارات متسقة إلى حد بعيد، وجنبت الاقتصاد انعكاسات تضخمية خارج السيطرة، وهو ما أكدته أحدث نشراته بما لا يتجاوز 2.7 في المائة "تموز (يوليو) الماضي"، والأدنى بنسبة طفيفة من توقعات الصندوق بأن يستقر مستواه مع نهاية العام الجاري عند 2.8 في المائة، على الرغم من بعض الضغوط التضخمية المتوقعة الناتجة عن تضخم أسعار الجملة. هذا إضافة إلى الاستمرار في المحافظة على صلابة القطاع المالي، وحينما بدأت آثار الجائحة العالمية في الانحسار، أسهم زيادة إنتاج النفط المقترنة بارتفاع أسعاره، وتزايد قوة الاقتصاد الكلي في التحسن الجيد لمركز المالية العامة والمركز الخارجي للمملكة.
جزء كبير مما اكتسبه الاقتصاد الوطني طوال الفترة من بعد تراجع تداعيات الجائحة العالمية لكوفيد - 19، وعلى الرغم من زيادة حدة آثار العقوبات الغربية على الاتحاد الروسي، وتأثيرها المستمر في الأسواق العالمية، لم يكن ليتحقق بحمد الله لو لم يخضع الاقتصاد الوطني لأكبر حزمة من الإصلاحات الهيكلية في تاريخه، التي بدأت عملياتها عبر البرامج التنفيذية العديدة والمبادرات واسعة النطاق منذ منتصف 2016، وكان أحد أبرز الدفاعات الرئيسة في وجه تداعيات الجائحة العالمية، قبل أن تسهم بدورها في الدفع بخروج الاقتصاد في وقت مبكر مما خلفته تلك الجائحة، ولا تزال تأثيراتها ممتدة وقائمة في نطاق واسع من اقتصادات العالم خلال الفترة الراهنة، وعلى أن تقرير صندوق النقد الدولي وغيره من التقارير الصادرة من عديد من الجهات الدولية، ارتكزت كثيرا على العوائد القياسية لأسعار النفط، إلا أنه من غير الدقيق إلى حد بعيد، تجاهل المنجزات الحقيقية والكبيرة للإصلاحات العملاقة التي تم إجراؤها على أغلب نشاطات وقطاعات الاقتصاد الوطني، وهي بذلك تحتل المرتبة الأولى على بقية الاعتبارات الأخرى وفي مقدمتها ارتفاع الإيرادات النفطية، وما يؤكد هذه النظرة، ما أبداه الاقتصاد الوطني من ثبات واستقرار طوال الفترة 2020 ـ 2021، التي انتهت إلى تمكن الاقتصاد الوطني من النمو الحقيقي بمعدل فاق 3.2 في المائة، الذي جاء مدفوعا بدرجة كبيرة وفقا لصندوق النقد الدولي نفسه، من الانتعاش الجيد الذي أظهره القطاع غير النفطي تحديدا طوال تلك الفترة، وبدعم رئيس من الارتفاع اللافت في معدلات توظيف الموارد البشرية المواطنة، وزيادة مشاركة المرأة السعودية بتحديد أكبر.
إنها الإصلاحات التي ستمهد ـ بمشيئة الله ـ إلى نمو القطاع غير النفطي بحلول نهاية العام الجاري بنحو 4.2 في المائة، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى نحو 17.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتسجيل المالية العامة فائضا ماليا يبلغ 5.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ 2013، وإلى أن يتخطى الناتج المحلي بالأسعار الاسمية سقف تريليون دولار خلال العام الجاري لأول مرة في تاريخ الاقتصاد الوطني، إضافة إلى استمرار التراجع في معدل البطالة بين المواطنين، مقابل تنامي معدلات توظيف الموارد البشرية المواطنة، التي سجلت معدلات نمو قياسية بحلول منتصف العام الجاري وصلت إلى 17.3 في المائة، كأعلى معدل نمو سنوي للعمالة المواطنة منذ 2013، واقترانه بارتفاع مساهمة المرأة السعودية العاملة إلى أعلى من 37.7 في المائة، كأعلى نسبة مساهمة لها في تاريخ سوق العمل المحلية "القطاع الخاص"، كل هذا وغيره من المستهدفات المتحققة، لم يكن لها أن تترجم على أرض الواقع لولا مخاض الإصلاحات والبرامج التطويرية التي خاضها الاقتصاد الوطني، وهي أيضا المنجزات التي لم يكن لارتفاع أسعار النفط مهما بلغت مستوياته العالمية أن يحققها أو حتى جزءا منها.
نقلا عن الاقتصادية