مع غلاء العقار عالميا ومحليا زاد الاهتمام بمسمى موجود من قبل وهو الإسكان الميسر. هذا المسمى يعني الوحدة السكنية التي تحقق حدا أدنى من المعايير السكنية، التي تكون تكلفتها في متناول أو استطاعة الناس من ذوي مستويات دخل منخفضة نسبيا. وهي ترجمة للمسمى affordable housing.
ما هذه المعايير بحدودها الدنيا؟ تضعها في مختلف الدول جهات مرجعية، مثلا مجالس المدن والبلديات وهيئات الإسكان، مراعية اعتبارات عديدة. على رأس الاعتبارات أحوال الاقتصاد والموارد المتاحة فيه والموقع الجغرافي للسكن وعدد أفراد العائلة، والمقدرة المالية للعائلة في الدولة المعنية ونوعية الاحتياجات والثقافة المحلية، وأحوال التوظيف والعمل. وينبغي أن تكون موضع ثقة عموم الناس.
ونوقشت فكرة الإسكان الميسر ودرست في مختلف الدول هذه الحدود الدنيا. ورغم محاسنها لكنها لا تخلو من عيوب، فالكمال لله. وهذا ليس بغريب، فالتنظيمات الحكومية ترفع التكلفة نتيجة ما تضعه من قيود واشتراطات مطلوبة لتحقيق السلامة والملائمة للمسكن وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة للمجتمع. ولذا هي أحد أسباب ارتفاع أسعار العقار والسكني خاصة. لكن عدم وضعها ضرره أكبر على الناس والاقتصاد.
غالب الدراسات فيما يسمى الدول المتقدمة اقتصاديا التي اطلعت عليها اقترحت في تعريف الإسكان الميسر ألا يزيد مجموع عدد الحجرات "شاملة المخصصة للجلوس وغيره" في الوحدة السكنية على عدد أفراد الأسرة، وألا يزيد نصيب الفرد من مجموع مساحة المسكن على 30 مترا مربعا. فلو كان عدد أفراد الأسرة أربعة ومساحة الوحدة السكنية أكثر من 120 مترا مربعا، فإن الوحدة تجاوزت الحدود الدنيا لمساحة السكن الميسر.
بجانب ما سبق، يتطلب تحقيق تيسير الإسكان إجراء تطوير شامل للجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، ما يسمح للأفراد والأسر بتحقيق الحد الأدنى من احتياجاتهم. وهذه قضية لا تخلو من اختلافات في وجهات النظر.
من المهم هنا التنبيه على أن المسكن الميسر غير المسكن المنخفض التكاليف نتيجة بنائه بطريقة غير تقليدية، يقول أو يدعي أصحابها بأنها منخفضة التكاليف منخفضة انخفاضا ملموسا مقارنة بالطرق التقليدية، ويسمي هذا النوع من المسكن أحيانا بالمسكن الاقتصادي. ولا أدخل في مزيد تفاصيل لأنها خارج تخصصي.
أصل تطبيق مسمى إسكان ميسر كان على أصحاب الدخول التي تقل عن ذوي الدخول المتوسطة "وأحيانا عن ذوي الدخول المتوسطة المرتفعة، إذا كان متوسط مستوى المعيشة في البلد منخفضا نسبيا"، وهؤلاء يقسمون إلى فئتين ذوي الدخول المنخفضة وذوي الدخول المنخفضة جدا. إلا أن ارتفاع تكاليف السكن وتزايد أعباء الحياة جعلا الفكرة من حيث هي تعمم للتطبيق على فئات الدخل المتوسط أيضا، وتصبح القضية حينئذ نسبية، بحيث تعني الإسكان المستوفي الحد الأدنى من المعايير، والمقدور عليه سواء استئجارا أو تملكا من قبل أغلبية أو عامة فئات السكان، كل فئة بحسب ظروفها المادية وغير المادية على المدى البعيد، ومن ثم فهي ظروف تتأثر بأوضاع الاقتصاد المتوقعة في الأجل الطويل، وهذا المعنى هو المقصود في هذا الملف. طبعا هناك فئة أسوأ حالا ماديا من ذوي الدخل المنخفض جدا، وهي الفئة المعدومة الدخل، ويمكن أن يلحق بها ذوو الدخل المنخفض جدا إذا كان الدخل غير مستقر. هذه الفئة غير قادرة على تحمل أعباء سداد أقساط شهرية، ولو كانت بسيطة نسبيا، سواء كان التمويل قد أعطي بغرض تحقيق ربح أو لا، ومن ثم فهذه الفئات ليست معنية بعبارة الإسكان الميسر. هذه الفئة يناسبها الإسكان الخيري، الذي يمول كليا من الإعانات الحكومية أو تبرعات الأهالي والقطاع الخاص.
والإسكان الخيري قد يكون تمليكا وقد يكون سماحا بالسكن دون تمليك، ويعد هذا النوع من أنواع الدعم السكني، الذي يتخذ أشكالا عديدة، خاصة في الدول الغربية، كالولايات المتحدة.
عبارة الإسكان الميسر، بحد ذاتها لا تنحصر في مسألة تملك السكن، بل تعني الاثنين: القدرة على التملك أو القدرة على الاستئجار. لكن العبارة تفهم عادة بالمعنى الأول، وهو موضع التركيز عند الناس.
هل تتمكن السوق وحدها ودون تدخل الحكومات من توفير السكن الميسر؟
أكثر المعايير قبولا في دول العالم في التعرف على القدرة السكنية "الميسرة" تستند إلى أن تكلفة السكن ينبغي ألا تتجاوز ثلث دخل العائلة، والمقصود العائلات ذات الدخول المنخفضة نسبيا. وفي الأغلب ما تشمل هذه التكلفة تكاليف المرافق العامة، خاصة الكهرباء والتدفئة و/أو التبريد والماء. وهذا يعني أن تكلفة السكن وحده دون المرافق ينبغي أن تقل عن الثلث بدرجات. وإذا زادت تكلفة السكن على 35 في المائة من دخل العائلة، فإنه في غالب الدول يبدأ بالدخول إلى فئة السكن غير الميسر، الذي تشكل تكلفته عبئا ثقيلا على العائلة ذات الدخل المنخفض.
مقارنة تكلفة الأرض والبناء بمستويات الدخول تجعل الحصول على سكن لائق تتوافر فيه حدود دنيا من المعايير أمرا خارج قدرة معظم الناس أو كثير منهم. من جهة أخرى، يولد الإسكان عددا من التأثيرات الخارجية، منها المنافع الإضافية التي تزيد على مجرد توفير مأوى، وفي الوقت نفسه، يحدث قدرا من التأثيرات البيئية، وبعضها غير مرغوب فيه مجتمعيا. ولذا يمكن أن نعد أن هناك فشل سوق في توفير سكن ملائم وميسر أو مقدور الحصول عليه من شريحة من المجتمع، ويمكن اعتبارها مشابهة من بعض الأوجه لسلع عامة التي من المستبعد أن تنتج بالقدر الكافي دون تدخل ودعم حكومي.
نقلا عن الاقتصادية