أسواق العقود المستقبلية للسلع نشطة جدا، إلا أنه بحكم طبيعة العقود المتداولة فلا يمكن إيجاد عقود لكل صنف من السلعة ذاتها، فمثلا هناك عقود مستقبلية على القهوة وأخرى على الأرز والبترول وغيرها من السلع، لكن عن أي نوع من القهوة نتحدث؟ وأي نوع من الأرز؟ وماذا عن البترول؟ عندما نرى سعر غرب تكساس يتداول عند 100 دولار، فهل هذا سعر بترول المملكة، أم أن سعر بترول المملكة هو سعر خام برنت أو غيره؟
أسواق السلع المستقبلية كثيرة وأشهرها بورصة "أيس" وسوق شيكاغو التجارية، التي تشمل "نايمكس"، وسوق نيويورك للسلع، وبورصة لندن للمعادن، وغيرها، وأكثر السلع تداولا من حيث الحجم، عقود غرب تكساس للنفط الخام، ثم عقود خام برنت والغاز، ثم عقود القهوة وفول الصويا والذرة والذهب والنحاس والفضة والقطن والسكر. ويمكن للمتداول الاستفادة من تحركات أسعار السلع من خلال العقود المستقبلية ذاتها أو من خلال صناديق استثمارية متداولة يتم بيعها وشراؤها كالأسهم تماما. كما يمكن الاستثمار في السلع من خلال بعض الشركات المدرجة التي تتعامل مباشرة بهذه السلع كإنتاج أو تصنيع.
على سبيل المثال، نجد أن عقد القهوة يحتوي على 37,500 رطل "نحو 17 ألف كيلوجرام" وكان سعر العقد دولارا واحدا للرطل في 2020 ثم تجاوز 2.5 دولار مطلع هذا العام، وحاليا سعر الرطل نحو 2.20 دولار. وطبيعة الحال، فهذا سعر العقد الواحد من نوع واحد من أنواع القهوة وهو قهوة أرابيكا، التي يجب أن تأتي على هيئة حبوب خضراء، وتأتي فقط من 20 دولة محددة في العقد وأن يتم التسليم في مستودعات محددة ومرخصة في أمريكا وأوروبا. وعلى الرغم من هذه المواصفات إلا أن حبوب القهوة من نوع أرابيكا ليست متطابقة من حيث حجمها ولونها وعمرها، لذا فهناك آلية لإجراء خصم أو علاوة على القهوة الموردة إلى المستودعات حسب جودة مواصفاتها. فعندما يكون السعر 2.20 دولار للرطل فربما تجد سعر النوع نفسه ومن الدولة نفسها ومن المورد نفسه يزيد أو ينقص عن هذا السعر حسب درجة نضجه ونظافته.
ماذا عن أنواع القهوة الأخرى، كيف يتم تسعيرها؟
إذا علمنا أن سعر قهوة أرابيكا دولاران للرطل، أي نحو خمسة دولارات للكيلوجرام، فماذا عن أنواع القهوة الأخرى، مثل روبوستا وليبريكا وإكسلسا وغيرها؟ في هذه الحالة تستخدم عقود أرابيكا كأسعار مرجعية لأنواع القهوة الأخرى، فيكون مثلا سعر روبوستا أعلى من سعر أرابيكا بسبعة سنتات، وهكذا. لذا، فسعر العقد المستقبلي المعلن هو فقط سعر مرجعي يستخدم لقياس مدى الإقبال على السلعة حسب العرض والطلب، لكن السعر النهائي يتم تحديده أثناء إجراءات التسوية حسب قوانين كل بورصة.
ماذا عن تسعير النفط الخام ومنتجاته؟
النفط الذي تنتجه المملكة يأتي في عدة أنواع من خفيف وخفيف جدا ومتوسط وثقيل، وهذه المسميات تعتمد على جودة النفط، التي تقاس حسب نسبة الكبريت في النفط ومقياس كثافته، فكلما صار النفط حلوا، أي نسبة الكبريت فيه قليلة، زاد سعره، وإذا زادت نسبة الكبريت يسمى نفطا حامضا ويقل سعره. كذلك إذا كان النفط خفيفا، أي كثافته قليلة ولزوجته قليلة ولديه API عالية، فيصبح سعره أعلى، وهكذا.
شركة أرامكو السعودية تعتمد على أسعار مرجعية كثيرة حسب المنطقة المستهدفة في تسويق النفط، فمثلا النفط الموجه إلى شرق آسيا يستخدم في تسعيره مؤشر نفط عمان ودبي، والنفط الموجه إلى أوروبا يسعر حسب أسعار خام برنت، والنفط الموجه إلى الولايات المتحدة يستخدم في تسعيره غرب تكساس ومؤشرات آرجوس وهي شركة دولية تقوم برصد عدد من المنتجات وتقوم ببناء مؤشرات لأسعارها.
إذن، أرامكو تستند إلى الأسعار المرجعية في تحديد الأسعار وتقوم بنشر فروقات الأسعار شهريا حسب كل وجهة جغرافية. مثلا لأيلول (سبتمبر) 2022 قامت أرامكو بإضافة علاوة سعرية بمقدار 7.50 دولار فوق سعر آرجوس للخام الخفيف جدا الموجه إلى أمريكا الشمالية. وأضافت 10.95 دولار للنفط ذاته فوق متوسط سعر عمان/دبي في حال العملاء في شرق آسيا، وهكذا. وهناك دول أخرى تفرض علاوة أعلى أو أقل حسب جودة النفط الخام من حيث الكبريت والكثافة، ومن ذلك النفط الماليزي والجزائري الذي عادة يتمتع بعلاوة سعرية عالية.
عقود النفط المتداولة في أسواق السلع في نيويورك هي عقود نفط غرب تكساس، وفيها العقد الواحد مكون من ألف برميل، والسعر الظاهر هو سعر البرميل الواحد، فإذا كان سعر البرميل 100 دولار، كما هو الحال هذه الأيام، فإن قيمة العقد الواحد تكون 100 ألف دولار. وأكثر من يشتري هذه العقود مضاربون يستفيدون من تقلب الأسعار، وليسوا بالمستفيدين النهائيين، كشركات البترول والمنتجات الكيماوية وغيرهم. المستفيد النهائي يدخل إلى سوق النفط من باب التحوط وليس من باب المضاربة، وليس بالضرورة للمتحوط أن يكون شركة نفط، بل ممكن أن يكون المتحوط شركة طيران ليس هدفها شراء النفط ذاته، بل هدفها تعويض تضررها من ارتفاع أسعار الوقود بتحقيق أرباح من ارتفاع أسعار عقود النفط. لذا ترتفع تكاليف الوقود على شركة الطيران هذه، لكن في الوقت نفسه تحقق أرباحا من العقود التي اشترتها من باب التحوط.
هناك أهمية بالغة لأسواق السلع المستقبلية، وكثير من الدول لديها عقود مستقبلية خاصة بها، وتستخدم هذه الأسواق عموما في تسعير السلعة وأي أصناف أخرى للسلعة ذاتها، وذلك باستخدام آلية الفروقات بالخصم أو الإضافة إلى السعر المرجعي.
نقلا عن الاقتصادية