شهدت الأسواق المالية منذ نهاية الأسبوع الماضي عددا من الأحداث المهمة التي من شأنها أن تؤثر في حركتها المستقبلية بل ربما حتى مسارها العام صعودا وهبوطا ابتداء من إعلان انكماش الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني وما سبقه من رفع للفائدة بمقدار 0.75 نقطة وانتهاء بالتوترات السياسية بين أكبر اقتصادين في العالم الصين والولايات المتحدة بسبب الزيارة التي قامت بها نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايبيه العاصمة التايوانية، ما تعده الصين خرقا لسيادتها، وبطبيعة الحال فإن أسواق المال حساسة لأي حدث كان قد يؤثر في الاقتصاد بشكل أو آخر.
وعودا على الحديث عن الانكماش الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي حيث كان تراجعه في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 1.6 في المائة بينما تم إعلان تراجعه كذلك في الربع الثاني بنسبة 0.9 في المائة، ما يعني دخول الاقتصاد الأكبر في العالم في حالة ركود يرفض "الفيدرالي الأمريكي" الاعتراف بها مستندا في ذلك إلى معايير أخرى تخالف ما يراه معظم الاقتصاديين حيث يرى الاقتصاديون أن تراجع النمو في أي بلد لربعين متتاليين "انكماش" يعد دخولا في حالة الركود, ولعل من يرجح كفتهم هو انقلاب منحنى العائد حيث تجاوز العائد على السندات قصيرة الأجل "عامين" لنظيرتها طويلة الأجل "عشرة أعوام" وهو ما يعد أهم إشارات الركود حيث نجح منحنى العائد بالتنبؤ بذلك في فترات الركود العشر الأخيرة التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن رفع الفائدة على الدولار الذي أقره الفيدرالي نهاية الأسبوع الماضي يهدد أرباح أكبر الشركات الأمريكية حيث إن 40 في المائة من أرباح الشركات في مؤشر إس آند بي 500 تأتي من الخارج وقوة الدولار تتسبب في تراجع أرباحها، كما جاء في تصريح لبنك كريدي سويس أن كل ارتفاع للدولار بنسبة 10 في المائة يتسبب في تراجع أرباح المؤشر بنسبة 1 في المائة تقريبا وهي نسبة تعد كبيرة خاصة في ظل استمرار رفع معدلات الفائدة.
رغم هذه الأحداث التي مرت بها السوق الأمريكية إلا أنها تمكنت من المحافظة على متوسط 50 يوما كمنطقة دعم بينما لا تزال تحت منطقة مقاومة متوسط المائتي يوم التي يعول عليها كبار المستثمرين من أفراد أو صناديق حيث يرونها فاصلا بين السوق الهابطة والصاعدة.
من جهة أخرى تعد أسعار النفط مؤشرا مبكرا لأي حالة ركود كما أنها كذلك في حالات التضخم، فارتفاع النفط وقفزاته السعرية مع بقية منتجات الطاقة كانت السبب الرئيس في ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي فتراجع الأسعار يعد تحولا في الحالة وربما يؤكد حالة الركود التي بدأ يخشاها العالم أجمع، فعلى المدى القصير يبدو أن خام برنت لا يزال في موجة هابطة ويحتاج إلى تجاوز 111 دولار ليعود للصعود مجددا بينما تعد منطقة 97 الدعم الأهم حاليا التي بكسرها قد يشهد تراجعا لمنطقة 86 دولار، ومما أسهم في تماسك الدولار هذا الأسبوع التوترات السياسية لكن انفراجها قد ينهي حالة التماسك خاصة في ظل ارتفاع الدولار.
وختاما، لا تزال الأسواق سواء الأسهم أو العملات أو الطاقة تشهد تذبذبات بدعم من المؤثرات التي تطرقنا إليها التي تعزز استمرار شعور المستثمرين بحالة عدم اليقين تجاه مساراتها المستقبلية.
نقلا عن الاقتصادية