حتى وقت قريب كانت الأمونيا من المنافسات غير المعروفات لتصبح خلال العقود المقبلة وقودا متجددا مهما. للأمونيا نحو تسعة أضعاف طاقة خزن بطاريات أيون الليثيوم، كما أن طبيعتها الأكثر كثافة تجعل نقلها أسهل من الهيدروجين السائل، ما يجعلها ناقلا جذابا للطاقة. في الوقت الذي تتسابق فيه شركات النفط الكبرى لإيجاد بدائل مبتكرة للطاقة المتجددة، تكتسب الأمونيا مزيدا من الاهتمام الدولي لإمكاناتها كوقود خال من الانبعاثات. على الرغم من قلة الحديث عنها مقارنة بالهيدروجين، إلا انها تجذب أنظار شركات الطاقة في جميع أنحاء العالم لإمكاناتها كوقود نظيف. الأمونيا مركب من الهيدروجين والنيتروجين يمكن استخدامه كوقود. تماما مثل الهيدروجين، هناك عدة أنواع مختلفة من الأمونيا، اعتمادا على مصادر الطاقة المستخدمة في إنتاجها.
أصبحت الأمونيا الخضراء الشكل المفضل للوقود لأنها خالية من الكربون، في حين أن طنا واحدا من الأمونيا التقليدية ينبعث منها نحو طنين من ثاني أكسيد الكربون. يتم إنتاج الأمونيا الخضراء باستخدام طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية لتوفير الكهرباء التي تدير جهاز التحليل الكهربائي الذي يقوم بدوره بفصل الهيدروجين عن الماء، في حين يتم فصل النيتروجين عن الهواء باستخدام وحدة فصل الهواء. إن إنتاج الأمونيا الخضراء لا يعد أمرا جديدا، إلا أن الابتكارات الحديثة في التكنولوجيا سهلت إنتاجها وخفضت تكاليفها إلى حد ما، ما جعل شركات الطاقة أكثر حماسا للاستثمار في مصدر الطاقة هذا.
أحد القطاعات الذي يفكر في استخدام الأمونيا لإزالة الكربون هو قطاع النقل البحري، الذي يمكن أن يستخدم وقود الأمونيا للمساعدة على تحقيق أهدافه المناخية. يمكن استخدامه أيضا كوسيلة لتخزين الطاقة المتجددة لاستخدامها فيما بعد، وكذلك نقله ليتم تكسيره لمحتواه من الهيدروجين. يتم الآن إنتاج الأمونيا وشحنها حول العالم، حيث تدرك الشركات إمكاناتها كوقود وناقل للهيدروجين.
في أيلول (سبتمبر) 2020، أنتجت شركة أرامكو ومعهد اقتصادات الطاقة في اليابان - بالشراكة مع سابك - أول شحنة من الأمونيا الزرقاء وصدرتها إلى اليابان. وتألفت تلك الشحنة من 40 طنا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة لاستخدامها في توليد الكهرباء دون انبعاثات كربونية. وكانت هذه التجربة هي الأولى على مستوى العالم لسلسلة إمداد الأمونيا الزرقاء، وتعد التجربة إنجازا مهما من ضمن عدة مسارات لتحقيق الاقتصاد القائم على تدوير الكربون في المملكة. وتعتزم المملكة البدء ببناء مصنع للهيدروجين الأخضر بقيمة خمسة مليارات دولار في منطقة "نيوم". يهدف مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر إلى بناء أكبر منشأة تجارية في العالم على مستوى المرافق الصناعية تعمل بالطاقة المتجددة لإنتاج الأمونيا والهيدروجين الأخضر. وعند تشغيل المشروع في 2026، ستنتج المنشأة 650 طنا من الهيدروجين الأخضر يوميا، إضافة إلى إنتاج النيتروجين عن طريق فصل الهواء، وإنتاج 1.2 مليون طن سنويا من الأمونيا الخضراء. وكشف تقرير الاستدامة الأول لشركة أرامكو خطوات تحقيق طموحها بالوصول إلى الحياد الصفري في الانبعاثات في أعمالها التشغيلية. من ضمن المبادرات التي جاء بها التقرير، تسعى الشركة إلى إنتاج 11 مليون طن سنويا من الأمونيا الزرقاء، التي تعد ناقلا للهيدروجين الأزرق، وذلك بحلول 2030 تعزيزا لجهود الحد من الانبعاثات في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون فيها.
في الشهر الماضي، باعت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" الأمونيا المنتجة باستخدام الغاز الطبيعي لشركة النفط اليابانية إنبكس Inpex. تم اعتبار الأمونيا نظيفة، حيث تم عزل ثاني أكسيد الكربون المنبعث أثناء إنتاجه باستخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه CCS، ليتم حقنها في حقول النفط البرية في أبوظبي. تأمل شركة إنبكس في إنشاء ثلاثة أو أكثر من مشاريع الأمونيا بحلول نهاية العقد لإنتاج نحو 100 ألف طن من الهيدروجين/الأمونيا سنويا.
تشهد مناطق أخرى أيضا إمكانات إنتاج الأمونيا الخضراء، حيث تستكشف الدول مجموعة متنوعة من المصادر المتجددة لإزالة الكربون من قطاع النقل والقطاعات الأخرى. يعتقد الخبراء أن الأمونيا الخضراء يمكن أن تكون مفتاح نجاح استراتيجية المفوضية الأوروبية المعروفة بـ REPowerEU، التي تهدف إلى إنتاج 20 مليون طن من الهيدروجين المتجدد. في الوقت الحاضر، يستخدم قطاع الأمونيا في منطقة الاتحاد الأوروبي نحو عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، تستخدم في الغالب كمادة أولية لإنتاج الأسمدة. يوضح هذا إمكانات مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة لإنتاج الأمونيا.
بالفعل، صرح نائب رئيس المفوضية الأوروبية بإمكانية استخدام الأمونيا كناقل للهيدروجين المتجدد، ما شجع شركات الطاقة على الاستثمار في هذا القطاع. إضافة إلى المساعدة على إزالة الكربون من قطاع الطاقة الأوروبي، قد تصبح المنطقة بسرعة مركزا لتصدير الأمونيا الخضراء، إذا تمكنت من تطوير صناعة قوية لهذا الوقود. في الوقت الحاضر، هناك نحو 270 محطة بحرية للأمونيا على مستوى العالم، 30 منها في الاتحاد الأوروبي، ما يوفر إمكانية شحن الأمونيا لصناعة الأسمدة وللاستخدامات الأخرى.
في أيرلندا، أوصت مجموعتان - منظمة كيليبيغ فيشرمان والسندباد للخدمات البحرية - بإنشاء مزرعة رياح بحرية عائمة لتوليد الطاقة لإنتاج الأمونيا الخضراء وإنتاج الهيدروجين. وقعت المجموعتان أخيرا مذكرة تفاهم مع شركة هيكسيكون السويدية لطاقة الرياح لتطوير اثنين جيجاواط، التي من شأنها تشغيل عمليات الوقود المتجدد. وفي الوقت نفسه، في النرويج، وقعت شركات إكسون موبيل، جريج إيدج، شمال الأمونيا، وجرين إتش، مذكرة تفاهم لإجراء دراسات للإنتاج والتوزيع المحتملين للهيدروجين الأخضر والأمونيا كوقود بحري. سيستخدم المشروع الطاقة الكهرومائية لإنتاج نحو 20 ألف طن من الهيدروجين الأخضر و 100 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويا.
مع الطلب الواضح من القطاع البحري وإمكانية استخدامها في صناعات أخرى، مثل الهيدروجين بشكل أساس، تكتسب الأمونيا اهتماما متزايدا من الحكومات والشركات التي تتطلع إلى إنتاج الطاقة بمسؤولية، وتذليل عقبات تحدي التغير المناخي بفاعلية. لذلك زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة هذه يمكن أن تدعم الابتكارات في التقنيات لتقليل تكاليف الإنتاج، وكذلك دعم الدول في تحقيق أهدافها المناخية.
نقلا عن الاقتصادية