أسعار الغاز قد تبقى مرتفعة حتى 2025

14/07/2022 0
د. نعمت أبو الصوف

على الرغم من تراجع أسعار النفط الخام والسلع الأساسية الأخرى أخيرا وسط مخاوف متزايدة من الركود وانخفاض السيولة في الأسواق في فصل الصيف، إلا أن إحدى السلع خالفت هذا الاتجاه واستمرت في الارتفاع ـ الغاز الطبيعي. ففي وقت سابق من الأسبوع الماضي، بلغت أسعار الغاز الأوروبية في مركز "تي تي إف" TTF في هولندا أعلى مستوى لها فيما يقرب من أربعة أشهر. ارتفعت الأسعار 700 في المائة منذ بداية 2021. ويقول المحللون، من المحتمل أن العالم لم يشهد حتى الآن أكبر ارتفاع في أسعار الغاز.

وبدأت أسعار الغاز الارتفاع وسط أزمة الطاقة في خريف العام الماضي. ثم وصلت الأسعار إلى مستوى قياسي جديد بعد الأزمة الأوكرانية في أواخر شباط (فبراير)، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى التسابق لاستبدال أكبر قدر ممكن من إمدادات الغاز الروسية، في حين خفضت روسيا في منتصف حزيران (يونيو) عمليات التسليم إلى العملاء الرئيسين، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا. بالفعل، قفزت أسعار الغاز الأوروبية 60 في المائة، منذ أن خفضت روسيا الإمدادات إلى أوروبا قبل ثلاثة أسابيع، وتوقف الصادرات من منشأة فريبورت Freeport للغاز الطبيعي المسال الأمريكية بسبب حادث.

في منتصف الأسبوع الماضي، ارتفعت العقود الآجلة للشهر الأول في مركز "تي تي إف" الهولندي 8 في المائة لتصل إلى 179 دولارا "175 يورو" لكل ميجاواط/ساعة، وهو أعلى مستوى لها منذ آذار (مارس). هذا السعر أعلى بخمس مرات مما كان عليه في هذا الوقت من 2021. وهذا أيضا أعلى بأكثر من 11 مرة من المتوسط طويل الأجل، حيث ارتفع سعر الغاز الأوروبي إلى ما يعادل 300 دولار للبرميل من النفط الخام.

وفي الوقت نفسه، تراجعت أسعار السلع الأخرى منذ منتصف حزيران (يونيو)، بما في ذلك النفط، حيث رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى أسعار الفائدة الرئيسة بأكبر قدر منذ عقود لمحاربة أعلى معدل تضخم في أكثر من 40 عاما، وهو التضخم الذي تفاقم بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والوقود. أدت الزيادات الحادة في أسعار الفائدة إلى زيادة المخاوف في أسواق الأسهم والسلع من أن الركود يلوح في الأفق. كما أن الانخفاض الملحوظ في شحنات الغاز الروسية إلى أوروبا، والصيانة الدورية لمدة أسبوعين على خط أنابيب نورد ستريم واحد التي بدأت في 11 تموز (يوليو)، والمخاوف من أن روسيا قد لا تعاود الإمدادات بمجرد انتهاء الصيانة، هي أيضا عوامل حاسمة في المخاوف من حدوث ركود في المستقبل القريب جدا في جميع اقتصادات الاتحاد الأوروبي.

لقد سلطت أسواق الطاقة، التي شهدت تغيرات هيكلية منذ الأزمة الأوكرانية، الضوء على حقيقة أن الغاز أصبح سلعة عالمية حقيقية في الأعوام الأخيرة، حيث أدى الطلب القوي على الغاز المسال في أوروبا إلى ارتفاع الأسعار في المنطقة وفي آسيا. كما أن قدرة الصادرات الأمريكية على التعويض الجزئي عن فقدان الإمدادات الروسية دفعت أيضا أسعار الغاز الطبيعي الأمريكي في مركز هنري Henry Hub، إلى الضعف على مدى العام الماضي. لكن أسعار الغاز في الولايات المتحدة تراجعت بنحو 40 في المائة منذ انقطاع الغاز المسال في مجمع فريبورت، حيث سيتوافر مزيد من الغاز للاستهلاك الأمريكي.

العالم يفكر الآن في الغاز كما كان يفكر في السابق في النفط، وأصبح الدور الأساس الذي يلعبه الغاز في الاقتصادات الحديثة والحاجة إلى إمدادات آمنة ومتنوعة أمرا واضحا للغاية. بالفعل، الحاجة إلى التنويع وأهمية الغاز كسلعة عالمية وليس إقليمية هي اليوم أكبر بكثير من أي وقت مضى، حيث تخطط أوروبا إلى التخلي عن الغاز الروسي وعدم الاعتماد عليها لإمدادها بالطاقة مرة أخرى. الاتحاد الأوروبي بعيد كل البعد عن تحقيق هذا الهدف الآن، كما أظهرت التخفيضات الروسية لإمدادات الغاز، حيث حذرت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، من لحظة شبيهة لما حدث لبنك ليمان براذرز في 2008 إذا توقف الغاز الآن.

لا يعني ذلك أن أوروبا لا تحاول ـ فقد تم تنشيط مشاريع لمحطات استيراد الغاز الطبيعي المسال من اليونان إلى ألمانيا وفنلندا، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تتحرر أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي. هدف الاتحاد الأوروبي هو أن يحدث هذا بحلول 2027. كما أكد قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أهمية الغاز المسال خلال قمتهم في ألمانيا نهاية حزيران (يونيو). حيث، أقر قادة مجموعة السبع بأن "الاستثمار في هذا القطاع ضروري للاستجابة للأزمة الحالية".

وفي الوقت نفسه، يعود مشترو الغاز المسال إلى عقود طويلة الأجل من أجل تأمين إمدادات طويلة الأجل من الغاز ولحماية أنفسهم من ارتفاع الأسعار الفورية المتقلبة. لن يشتري عديد من مشتري الغاز المسال التقليديين الغاز الفوري أو الغاز المسال، ولا يجددون أو يوقعون عقودا إضافية للغاز المسال الروسي. كانت الأسعار الفورية أيضا مرتفعة ومتقلبة، ما دفع عديدا من المشترين نحو عقود طويلة الأجل، وفقا لمؤسسة وود ماكينزي. وحسب المؤسسة "يتم دعم الزيادة الهائلة في استثمارات مشروع الغاز المسال من خلال الزيادة السريعة في الطلب الأوروبي عليه، حيث يتطلع المطورون الأمريكيون بالفعل إلى ملء الفراغ".

تعمل قطر أيضا على توسيع قدرتها التصديرية للغاز المسال بشكل كبير في أكبر مشروع من نوعه في العالم على الإطلاق، الذي تم إعلانه في بداية العام الماضي. لكن، إلى أن يتم الانتهاء من مشاريع الغاز المسال الجديدة في الولايات المتحدة وقطر في منتصف هذا العقد أو نحو ذلك، ستبقى أسواق الغاز متشددة حيث تتغير تدفقات تجارة الطاقة إلى الأبد. قد لا ينتهي الارتفاع الأخير في أسعار الغاز في أوروبا بعد أن خفضت روسيا الإمدادات أخيرا، حيث يندفع الاتحاد الأوروبي للحصول على إمدادات بديلة بأي ثمن لتجنب شتاء من التقنين والركود.

 

 

نقلا عن الاقتصادية