يلحظ المتابع لسوقي الأسهم الأمريكية والسعودية الاختلاف الكبير بين تعاطي الشركات الأمريكية مع هبوط الأسعار باعتبارها فرصة لاستعادة شراء أسهمها، بينما تقف الشركات السعودية موقف المتفرج أمام انهيار أسعار أسهمها، هذا رغم أن نظام السوق المالية في المملكة يجيز للشركات شراء أسهمها للاحتفاظ بها كأسهم خزينة.
بحسب بعض التقارير الصادرة عن البنوك الاستثمارية الأمريكية التي تقوم بتنفيذ عمليات شراء الشركات لأسهمها، فقد كان هناك ارتفاع كبير في كميات الأسهم التي قامت الشركات بشرائها في الأسابيع القليلة الماضية، في الوقت الذي كانت الأسواق تسجل تراجعات مخيفة يوميا. بحسب إحصائيات شركاء بيريني، فقد أعلنت الشركات الأمريكية منذ بداية العام عزمها إعادة شراء ما يعادل 709 مليارات دولار من أسهمها، بينما يتوقع أحد خبراء "جولدمان" أن يتجاوز المبلغ تريليون دولار هذا العام. وبحسب المراقبين، فإن عمليات الشراء كانت ترتفع مع كل عملية نزول في الأسعار.
أهمية قيام الشركات بشراء أسهمها تأتي من كون ذلك فرصة جيدة للشركات لتحسين مؤشراتها المالية، والسبب أن ربحية السهم الواحد ترتفع بسبب تقلص عدد الأسهم المصدرة، وذلك لأن الأسهم المشتراة تخصم من عدد الأسهم الحرة، فيقل عدد الأسهم. إضافة إلى أن الأرباح الموزعة للسهم الواحد ترتفع مرة أخرى بسبب أن أسهم الخزينة لا تصرف لها أرباح.
إلا أن الفائدة الكبرى لقيام الشركة بشراء أسهمها تأتي من كونها إشارة مطمئنة لثقة الشركة بأسهمها ونظرتها الإيجابية لمستقبل الشركة. ولو نظرنا فقط إلى تراجع مؤشر سوق الأسهم السعودية خلال الشهرين الماضيين، فسنجد أن التراجع كان نحو 18 في المائة، بينما مؤشر داو جونز للفترة نفسها متراجع بنسبة 8 في المائة، هذا رغم كون التحديات الاقتصادية التي تواجه الشركات الأمريكية أكبر من نظيرتها السعودية. كذلك في حالات الهلع واندفاع الناس للتخلص من أسهمهم تأتي عمليات الشراء من قبل الشركات نفسها كمنقذ ومتصد لعمليات البيع، وبالتالي يكون هناك توازن وحد من التراجعات.
لا توجد قيود صعبة على الشركات لشراء أسهمها في أمريكا ولا المملكة، عدا أن على الشركة إعلان عزمها شراء أسهمها والكميات المتوقع شراؤها، مع ضرورة الالتزام بفترة الحظر التي عادة تبدأ قبل أسبوعين من نهاية الربع المالي للشركة وتستمر لمدة يومين بعد إعلان النتيجة. والهدف من فترة الحظر تجنب احتمال تزامن عمليات الشراء التي تقوم بها الشركة مع ظهور نتائج مالية إيجابية مفاجئة، وبالتالي قد تتهم الشركة باستغلال معلومات داخلية غير متاحة للآخرين. هذه النقطة الأخيرة جدلية إلى حد ما، كون هناك من يتساءل: ما الضرر من قيام الشركة باستغلال معلومات داخلية لشراء أسهمها؟ أليس المستفيدون في نهاية الأمر هم مساهمو الشركة؟ أي: إن هناك من ينظر إلى عمليات التداول المبنية على معلومات داخلية بنظرة مختلفة حين تقوم بها الشركة نفسها عن لو قام بذلك أحد المسؤولين في الشركة لحسابه الخاص.
قبل السماح للشركات السعودية بشراء أسهمها، كان هناك تردد في السماح للشركات بشراء أسهمها، خوفا من قيام الشركات المساهمة بترك أعمالها الأساسية والتحول إلى المضاربة في الأسهم، لكن من الواضح أن هذه المخاوف ليست في محلها، ولا سيما أن السوق المالية قطعت شوطا طويلا في ثقافة التعامل في السوق المالية وتطبيق أسس حوكمة الشركات، ما يجعل مثل هذه التجاوزات غير واردة.
تشتري الشركات المدرجة في السوق السعودية أسهمها إما لتخفيض رأس المال أو للاحتفاظ بها كأسهم خزينة أو بغرض تخصيصها لموظفي الشركة، وتقوم شركة السوق المالية السعودية "تداول" بنشر تقرير ربع سنوي يوضح ما تمتلكه الشركات المدرجة في أسهمها بنهاية كل ربع عام، ومن الملاحظ في التقرير بحسب الربع الأول من 2022 أنه لا توجد ولا شركة واحدة قامت بشراء أسهمها، عدا خمس شركات فقط لديها أسهم بغرض توزيعها على الموظفين من ضمن برامج التحفيز لديها.
تتم عملية شراء الشركة لأسهمها بقيام الشركة باسترجاع بعض أسهمها المصدرة بالدفع نقدا مقابل الحصول على الأسهم من المساهمين مباشرة، ويمكن أن يتم ذلك بالشراء المباشر من السوق، أو خلال عملية اكتتاب عكسي بسعر محدد، أو مزاد علني.
في الأسهم الأمريكية هناك من يعتقد أن الاستثمار في الشركات التي تقوم بعمليات شراء لأسهمها قد يؤدي إلى نتيجة أفضل من الاستثمار في شركات ليست لديها برامج لشراء أسهمها. الفكرة من هذه الاستراتيجية هي أن من المفترض أن تكون أسهم هذه الشركات أقوى من غيرها وفرص الارتفاع فيها أعلى من الشركات الأخرى، وبالتالي لو كانت هناك طريقة لمعرفة الشركات التي تقوم بشراء أسهمها والاستثمار بها، فقد تكون فرصة لتحقيق أرباح أعلى من بقية الأسهم. وبالفعل هناك مؤشر مختص بإعادة الشراء خاص بشركات إس آند بي 500 يرصد أداء أفضل 100 شركة من بين 500 شركة، وهي الشركات التي لديها أعلى نسبة شراء لأسهمها خلال الـ12 شهرا الماضية، وتتم مراجعة هذه القائمة كل ثلاثة أشهر، حيث يحتوي المؤشر على 100 شركة من أقوى الشركات في عمليات إعادة الشراء.
إلى جانب وجود مؤشر لرصد أداء الشركات التي تشتري أسهمها، هناك صناديق متداولة مختصة بهذا الجانب، فهناك صندوق يدار من قبل "إنفسكو" بأصول قيمتها نحو 1.3 مليار دولار، وصندوق آخر من المؤسسة ذاتها غير أنه يختص بأسهم الشركات الدولية، غير الأمريكية التي تقوم بشراء أسهمها. مثل هذه الصناديق ينجذب إليها المستثمرون الذي يرون أن الاستثمار في شركات تشتري أسهمها مجديا وأفضل من الشركات العادية.
هل بالفعل الاستثمار في هذه الشركات يحقق عائدا أعلى من عائد السوق؟
بمقارنة أداء مؤشر إعادة الشراء بمؤشر إس آند بي 500 لفترات مختلفة، يظهر أن في فترات كثيرة بالفعل تغلبت شركات إعادة الشراء على بقية الشركات، فمثلا بمقارنة الأداء في الأشهر الثلاثة الماضية، تفوقت أسهم هذه الشركات في أدائها حيث الانخفاض بنسبة 15.27 في المائة، مقابل انخفاض 16.45 في المائة لشركات إس آند بي 500، ولفترة عام كامل كان الانخفاض فقط 3.13 في المائة مقابل 11.33 في المائة.
ختاما، ممارسة شراء الشركة لأسهمها بأريحية أعلى مما هو حاصل حاليا في السوق السعودية أمر ضروري، وقد يكون هناك دور للتشريعات في تيسير العملية على الشركات، وربما هناك حاجة إلى رفع الوعي لدى الشركات بأهمية القيام بذلك، وتثقيف المساهمين بفوائد ذلك وجدواه، ولا سيما أن هذه الأيام سوق الأسهم السعودية تعاني حالات هبوط غير منضبطة.
نقلا عن الاقتصادية
اقرب وأفضل شركة المفروض أنها تقوم بذلك هي شركة الإتصالات السعودية لما كانت ماتمتلكة من إحتياطيات نقدية هائلة ولكن بدلا من ذلك قامت برفع ضخم لرأس المال وزيادة عدد الأسهم بطريقة تؤدي إلى هبوط السهم إلى مستويات عائد أكثر من 5%.
د فهد شكرا لك
العفو ومشكور على مرورك وتواصلك.
اس تي سي، بوان، اسمنت المدينة، متطورة شركات اعلنت من بعد مقالك :) تحية طيبة دكتور فهد